كل سنة وأنت طيب عزيزى القارى، غدا تكمل الثورة عامها الخامس، وقناعتى أن الثورة أو الانتفاضة الشعبية فى 25 يناير لم تكن مؤامرة وإنما كانت تحركا عفويا وتلقائيا، فجره الشباب، وشارك فيه ملايين المصريين، إلا أن بعض الأطراف وخصوصا الإخوان أجهضوا 25 يناير كبداية لثورة عظيمة، وشوهوا معناها الحقيقى وأهدافها.
لذلك فمهمة الرئيس السيسى الذى انتخبه المصريون صعبة ومعقدة، لأن عليه علاج خطايا وجرائم مبارك، وأخطاء الفترة الانتقالية، وجرائم الإخوان، وعلى السيسى أيضا الحفاظ على قيم ثورة يناير وموجتها الثانية فى 30 يونيو، والعمل لتحقيق أهدافها، والتى أرى أنها لم تتحقق حتى اليوم.
الحمد لله تحررنا من سيطرة الحزب الوطنى وحكم الإخوان، لكن وقعنا فى قبضة إعلام فوضوى تهيمن عليه مصالح رجال الأعمال، ووكالات الإعلان، ولا تزال هناك قيود كثيرة على حرية الرأى والتعبير، والحق فى التظاهر، نتيجة الخوف من الإخوان والإرهاب، وأعتقد أنه لابد من التوازن بين مراعاة الأمن ومحاربة الإرهاب، وبين احترام حقوق الإنسان وحرية الرأى والتعبير، وهى معادلة صعبة لكنها ضرورية، وربما يكون الإفراج عن شباب ثورتى 25 يناير و30 يونيو بداية لتحقيق هذا التوازن.
وبمناسبة الشباب، هناك تحسن واضح خلال العام الأخير فى الفرص المتاحة أمام الشباب، لكن الأغلبية لا تزال بعيدة عن حقها الطبيعى فى المشاركة فى قيادة سفينة الوطن، وعلينا ألا ننسى دائما أن الشباب هو الذى فجر الثورة، ومع ذلك فإن الأحزاب والجامعات تهمش دور الشباب، ولا تزال نخبة الحكم والمعارضة طاعنة فى السن، وأفكارها بالتالى قديمة، وداخل صندوق أفكار وسياسات مبارك.
وأعتقد أن العيش داخل هذا الصندوق هو أحد أهم أسباب العجز عن حل مشكلات الاقتصاد والبطالة، وارتفاع الأسعار، فما زالت القوانين والنظم البيروقراطية على حالها من العشوائية والفساد ولم يطلها التغيير، ومازال الرهان على الخصخصة والسياحة والاقتراض من الخارج، ولذلك فإن الثورة لم تتحقق أهدافها فى العيش والعدالة الاجتماعية، صحيح أن هناك بدايات إيجابية ظهرت فى المشروعات القومية، وإقرار منظومة جديدة للتموين، وضمان وصول الدعم لمستحقيه، لكن ذلك لا يكفى، ومطلوب تغيير فى الرؤى والسياسات والأشخاص، لإدارة ملفات القطاع العام والخصخصة، والضرائب، والاستثمار، ودعم المشروعات الصغيرة، والاهتمام بالصعيد والريف.
مطلوب أيضا مناهج وأساليب مبتكرة فى إدارة ملف الاقتصاد والاستثمار والعدالة الاجتماعية والتعليم، مناهج تنحاز لأغلبية المصريين وتعتمد على التمويل الذاتى للمشروعات القومية، إلى جانب دعم غير محدود للمشروعات الصغيرة التى يجب أن تنتشر فى الريف والصعيد. لقد نجحنا فى الاعتماد على التمويل الشعبى الداخلى فى مشروع قناة السويس الجديدة، ومن الضرورى تكرار هذا النموذج الرائد.
أخيرًا، لن تحقق الثورة أهدافها فى القضاء على الإرهاب، أو تحقيق التنمية والديمقراطية من دون تغيير، وتطوير منظومة التعليم والثقافة، ولن ننجح طالما بقيت الأمية. لابد من منح محاربة الأمية الأولوية المطلقة، ولابد من تعليم جيد يربى الطلاب على التفكير النقدى، وثقافة تقوم على التعدد والتنوع والتسامح الفكرى، ولاشك أنها عملية صعبة وتحتاج لسنوات من العمل، لكن المهم أن نتوقف عن الكلام وإطلاق التصريحات الرنانة عن تطوير التعليم وتجديد الثقافة، وأن نبدأ فى العمل، والخطوة الأولى هى فتح حوارات مجتمعية للتوافق على رؤية شاملة وسياسات محددة بتوقيتات زمنية لتجديد التعليم والثقافة والخطاب الدينى.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة