الاثنان لا يجتمعان رغم أن الذكرى واحدة، فمن أسباب 25 يناير "الثورة"، تجاوزات الشرطة وتصاعد العداء الشعبى ضدها، وفى رصيد 25 يناير "الشرطة" تضحيات أبنائها دفاعا عن أمن واستقرار الوطن، وانقسام الناس فريقين يعكس حالة التربص والترصد والعداء، التى يعيشها المجتمع منذ اندلاع شرارة الأحداث حتى الآن.
أنا - بوضوح - مع 25 مصر، ولست مع كوارث الثورة ولا تجاوزات الشرطة، لأن 25 يناير الثورة، كادت أن تضيع البلاد إلى الأبد، ولا أؤمن بكل التبريرات التى تستهدف تجميل ما حدث، ولا يمكن التسليم بحرق الاقسام واقتحام السجون، وحرق المنشآت العامة والخاصة، ولا الفوضى العارمة التى سادت البلاد، أما الكارثة الكبرى المتمثلة فى إمساك الإخوان برقبة البلاد، فلا يمكن إرجاعها إلى مقولة أن الثورة سلمت الإخوان للشعب.. ليس صحيحا، والله وحده هو الذى أنقذ البلاد والعباد.
الثورات لها أهداف ومبادئ وتسعى لإسعاد الشعوب، وإزالة الظلم وتحقيق العدل والمساواة وإقامة دولة القانون، وأهم من كل هذا وذاك الحفاظ على سلامة الوطن ووحده أراضيه، لم تحقق 25 يناير من ذاك شيئا، والمشهد الذى هزنى ووجع قلبى فى ذكراها الخامسة، كان لامرأة تجلس فوق سيارة نصف نقل مكشوفة، وبجوارها نعش ابنها الشهيد، تحتضنه، ولا تبكى ولا تصرخ ولا تتألم، وإنما صامدة وصابرة وفى حالة ذهول، "سارقاها السكينة" ولا تريد أن تفارق فلذة كبدها أثناء رحلته الأخيرة، فقد خلقنا ليحملنا أولادنا نعوشنا وليس العكس، وبعد أن تخلصت البلاد من سطوة الإرهاب، عاد إليها مستأسدا بالإخوان الذين اختطفوا الثورة، وشبابنا الطاهر.
تحولت 25 يناير إلى ذكرى للدموع والأحزان، وأمهات وآباء وأطفال وزوجات، فقدوا أعز ما لديهم فى معارك الغدر والخيانة، ليس لهم ذنب إلا أنهم أدوا واجبهم فى تربية وتعليم شباب يشرحون القلب والصدر، لا يطلقون شعورهم ولا يرتدون البنطلونات الساقطة، ولا يتعاطون الترمادول، ولا يتحرشون بالنساء.
رجال بمعنى الكلمة لا يهابون الموت دفاعا عن تراب الوطن، ضد مؤامرات الفوضى والتقسيم وبحور الدماء، أما قاتليهم فليس له قضية يدافعون عنها، إلا سرقة وطن من أهله، وإقامة مستعمرات دينية ترفرف فوقها أعلام سوداء ويحكمها الجلاد والسيف، وإذا كانت الأعمال بنتائجها، فهذا ما جاءت به 25 يناير الثورة، ورغم ذلك فمن يؤمن بها ليس خائنا، ومن يكفر بها ليس متآمرا، وكل شخص يحكم عليها من معيار ذاتى بحت: هل استفاد منها أم الحقت به الضرر؟.