ليست هناك ثورة فى العالم لم ترتكب أخطاء، ولم تتعثر فى مسيرتها نحو تحقيق أهدافها ومبادئها وغاياتها، وليس هناك قادة ثورات لم يختلفوا فى الأفكار والروئ السياسية حول تحقيق أهداف الثورة إلى حد الصراع السياسى والإقصاء والإبعاد، وبعد مرور السنوات الطويلة يأتى الحكم على هذه الثورة بمدى ما حققته من أهداف وما أحدثته من تغيير حقيقى فى المجتمع، تغيير سياسى واجتماعى واقتصادى وثقافى وأخلاقى، وما تركته من تأثير إيجابى فى المحيط الإقليمى حولها.
الثورات الكبرى فى العالم أخطأت وتعثرت وراح ضحيتها الملايين من الضحايا والأنقياء والأبرياء، ومرت بمراحل مظلمة من الصراع والاقتتال بفعل الانتهازيين فيها والمتاجرين بها، واقرأوا تاريخ الثورة الفرنسية التى رفعت شعارات الإخاء والمساواة والعدل، لكنها مرت بأسوأ ظروف يمكن أن تمر بها ثورة فى العالم لمدة 20 عاما من الإرهاب والصراع والفوضى حتى استقرت كثورة فرنسية كرمز للمساواة والعدل والإخاء، ولم تكن أيضا الثورة الروسية بأفضل حال فقد شهدت هى الأخرى تحولات وصراعات كثيرة.
ولو أردنا أيضا تقييم الثورة المصرية الأم فى 23 يوليو 1952 فيمكن أن نقول عنها وبكل صراحة إنها بدورها شهدت ما شهدته الثورات العالمية ولم تستقر بالشكل الذى نعرفه إلا بعد 5 أو 6 سنوات من قيامها، واستقرار الأوضاع لزعيمها جمال عبدالناصر.
هذا هو حال الثورات فى بداية قوتها وعنفوانها وانفجارها، وهو ما حدث فى ثورة 25 يناير 2011 التى نحتفل بذكراها السادسة، فقد قام بها الأنقياء من الثوار بمشاركة أو برغبة وتأييد من باقى فئات الشعب المصرى ثم قفز عليها الخونة والانتهازيون، خرج الشعب بعفوية غير مسبوقة تصل إلى حد العشوائية يطالب بالتغيير وبالحرية والمساواة بدون قائد أو زعيم أو بدون قيادة أو عقل يقود، وكان هناك من ينتظر ويتربص ويخطط ويتآمر على ثورة الشعب، ويتفاوض من أجل حصاد ثمارها التى أينعت فى الميدان، وتم حصادها فى مكتب الإرشاد، وفى قصور الرئاسة التى دخلها الإخوان لأول مرة كصك شرعية، واعتراف بهم من نظام كان يتهاوى وينتهى، فكانوا أول من خان الثورة وباعوا بقبول التفاوض على بقاء مبارك، وأعلن قادتهم مثل سعد الكتاتنى أن التفاوض هو الحل وليس الثورة.
وللأسف، ضاعت الثورة التى لم تكد أن تنجح بتنحى مبارك بفضل مراهقات سياسية وصراعات صبيانية بين رموز توهمت أنه قد حان الوقت لتولى زمام القيادة ورموز شبابية تناحرت وتناثرت دون أن تكون لها مطالب محددة، وبين الوهم والتناحر كان الذئب الإخوانى يسيل لعابه، ويدير المشهد، وانفرد بالمجلس العسكرى، وترك الثوار والسياسيون الجماعة لتفعل ما يحلوا لها وجلسوا على مقاهى التحرير، فكانت النتيجة التى ذهبنا جميعا إليها حتى قامت ثورة الشعب بمساندة جيشه فى 30 يونيو 2013.
ليس هناك مجال للمزايدة إذن على ثورة 25 يناير، ولا مجال للتباكى عليها، والاستمرار فى المتاجرة بها، فالمتباكون والمزايدون والمتاجرون الآن هم أول من خانوها وباعوها وسلموها تسليم مفتاح للجماعة الإرهابية، وتركوا الشعب وحده فى مواجهة مصيره مع الإخوان، لكن كان نصر الله للشعب أقرب مما تصور هؤلاء فى 30 يونيو.
نحتفل بالثورة نعم لكن بدون مزايدات جوفاء وتباك أجوف، فهى ثورتنا جميعا وليس ثورة فرد أو فصيل أو جماعة بعينها، نحتفل ونتعلم الدروس ونحمد الله أن ثورة يناير لم تدخل النفق المظلم مع الإخوان، نحتفل وندعو للعمل والإخلاص فيه من أجل مسقبل الوطن.
هذه هى الثورة التى نريدها الآن بعد أن خرجت مصر سالمة من مخطط الخراب والفوضى، ثورة يقظة وانتباه وعقل وحشد كل الجهود للإصلاح والتغيير والبناء وليس للخراب.