مصر وتونس.. سؤال الدولة والثورة
«مش هناكل حرية» الكلمة لأحد الشباب التونسى الغاضب العاطل الذى خرج يتظاهر ضد الحكومة، كان يلخص جدلا مطروحا طوال خمس سنوات من الثورة التى أطاحت بحكم زين العابدين، حصل التونسيون على دستور ورئيس وحكومة وحريات لتكوين الأحزاب والتعبير، وبقى الاقتصاد معضلة تواجه الجميع، سواء فى عهد المرزوقى الانتقالى أو السبسى المنتخب.
عدد سكان تونس 10.8 مليون، والسياحة أهم موارد الدولة، فقد ما يقرب من مليونى تونسى عملهم فى السياحة، وانضمت إليهم دفعات الخريجين، يتظاهرون اليوم طلبا لوظائف، ورئيس الحكومة الحبيب الصيد يرد أن حكومته وفرت 20 ألف فرصة عمل، ووعدت بخمسة آلاف وهذا أقصى ما تستطيع، ولهذا فإن كلمة الشاب أمام الكاميرات «عندنا حرية سياسية وأحزاب وانتخاب وماعندنا أكل». النخب تهلك نفسها فى الجدل السياسى ببرامج التوك شو، من دون أن تكون قادرة على تقديم بدائل لما هو قائم، تتحدث عن مواجهة الفساد من دون أن تعثر عليه أو تحدده، وكيف يمكن أن يحصل الشعب على حريته، وأيضا على الخبز؟
وانتقلت الهتافات من «عاوزين ناكل» إلى «الشعب يريد إسقاط النظام أو الشعب يريد تطبيق شرع الله»، المظاهرات التى بدأها العاطلون، ركبها بعض السلفيين وأعضاء النهضة وهم شركاء فى الحكم، بل ظهرت أعلام سوداء للدواعش، وهؤلاء هم من تصدى لهم التونسيون طوال السنوات الخمس، وما تزال تونس تدفع ثمن التعصب والإرهاب من اقتصادها المنهار، وهو أمر يبدو أنه لا يهم السياسيين والمتعصبين ممن يريدون ركوب الموجة، مثلما ركبوها من قبل.
الجدل هنا بين الدولة والثورة، فى ذكرى ثورة تونس وذكرى 25 يناير فى مصر، كيف يمكن أن تقوم ديمقراطية مع الحفاظ على الدولة وهل الأولوية للعيش أم للحرية؟ وكيف يمكن أن يقوما معا فى حزمة واحدة؟ وهى عملية طويلة وصعبة تحتاج الكثير من الوعى والعمل والسياسة، بعيدا عن الانتهازية التى تبدو من تحركات «النهضة» وأيضا تصريحات الرئيس الانتقالى السابق المنصف المرزوقى، الذى نسى أنه كان رئيسا، وأصبح يتعامل كناشط سياسى يطلق الشعارات المجانية.
جدل الثورة والدولة يطرحه كلام أطلقه طفل سورى لاجئ فى فيديو متداول «ناكل تراب بس ترجع سوريا»، هذا الطفل بالطبع ليس من مؤيدى هذا الفصيل أو ذاك فى السياسة، لكنه يعبر تلقائيا عن إحساسه بالوطن.
لا توجد نماذج جاهزة للنجاح، لكن توجد تجارب ناجحة للبناء، وقد انقسم كثيرون حول تجربة عبد الناصر، وما إذا كان اهتم بالحرية الاجتماعية والتصنيع والدعم ومجانية التعليم والعلاج، والعمال والفلاحين بينما لم تتوفر ديمقراطية، وهل يمكن تقديم الحرية السياسية على الحرية الاجتماعية؟ وهل يمكن بناؤهما معا بتدرج وخطوة وراء خطوة، من أجل دولة «العيش والحرية»، وألا تطغى إحداهما على الأخرى؟ وهى أهم أسئلة 25 يناير.