مرت الذكرى الخامسة لثورة 25 يناير بسلام وأمان، وأثبتت ألا شىء سوف يقف فى طريق بناء الدولة الجديدة فى مصر، بعد أن أصبح للدولة دستور ورئيس وبرلمان، لا جماعة تعيش على أوهام الماضى وسرابه ولا حركات مازالت تتوهم قدرتها على الحشد الشعبى، ولا أشخاص يختبئون وراء مواقع التواصل الاجتماعى يلقون بكلمات متسكعة ثملة لتعزية أنفسهم بالنضال ثم العودة للنوم. أصبح للدولة شعب يتحمل مصاعب الحاضر بكل قسوته ويواجه كل تحدياته ويستعين بالأمل، ويركض خلف شاراته، من أجل مستقبل أفضل لتحقيق غاياته وأحلامه فى العيش والحرية والكرامة الإنسانية.
لم يعد هناك وقت كثير لإضاعته بعد الآن، فزاعة الإخوان ينبغى أن تتوارى مع الاستعداد الدائم لأية جماعات تحاول وتخطط للقيام بأعمال عنف وإرهاب، فلا يصح بعد الآن أن يعيش الناس فى حالة ترقب وتوجس من مرور ذكرى يناير أو ذكرى رابعة أو ذكرى يوليو قبلها بشهر وبعدها بأسبوع، وهو ما يعنى أن تتجمد حركة العمل والإنتاج فى مصر وهى فى الأصل تتحرك بصعوبة بالغة. مسؤولية الأجهزة المعنية بعد الآن أن تتخذ تدابيرها الأمنية دون إشاعة حالة من الخوف والهلع والترقب مما سيحدث فى ذلك اليوم أو تلك الذكرى وإرباك المشهد السياسى فى مصر والضغط على الوضع الاقتصادى الصعب، وتصدير صورة سلبية عن الأوضاع الداخلية فى مصر. ولنكن صرحاء، فقد مرت على مصر بعد 30 يونيو أيام صعبة للغاية وحالكة السوداء فى وقت لم تكن فيه للدولة وجود سوى مؤسسة الجيش، ومع ذلك لم يفلح طيور الظلام فى هدمها والصعود إلى سدة الحكم من جديد، فما بالنا وهناك دولة حقيقية قوية استعادت مكانتها فى المنطقة والقارة والعالم، وشعب متوحد ومتماسك خلف قيادته. هل مازلنا نخاف ونرتعد من بيانات جوفاء وتهديدات فارغة، وندعو، دون تصريح علنى، إلى أن يلزم الناس بيوتهم حتى يكونوا آمنين؟
كنا نود أن نحتفل بثورة يناير مثلما كنا ننتظر الاحتفال بالثورة الأم فى 23 يوليو 52 بأغانى حليم وعبدالوهاب والفرق العسكرية فى الحدائق والمتنزهات العامة والجداريات المجسدة لأحداث يوليو وقياداتها وزعمائها، وحتى بفيلم «رد قلبى» الكلاسيكى وإنجى وعلى وعم عبدالواحد الجناينى. كنا نود أن تكون مناسبة للاحتفال بثورة الشعب وليست مناسبة للتخويف منها كلما هلت ذكراها وبث الرجفة والخوف فى قلوب المصريين من أن يمر اليوم بسلام وأمن.
حدث ما حدث ومر اليوم ومرت الذكرى وثبت للجميع أن أهداف الثورة هى الباقية لكى تتحقق فى قوانين وتشريعات وواقع إنسانى معاش. فى مشروعات كبرى وفى انحياز نظام سياسى للطبقات الفقيرة وفى برنامج حكومى يرتكز على ثلاثة محاور، الأول ثورة التعليم الذى ننتظر أن تشهدها كل ركن من أركان التعليم فى مصر حتى يكون هناك تعليم حقيقى يحقق أهداف التنمية وتخدم مخرجاته سوق العمل، ويوفر مليارات الجنيهات الضائعة بلا عائد على ميزانية الدولة. الثانى هو الثورة على الأوضاع الصحية المتردية فى مصر فى المستشفيات والمراكز والمستوصفات والوحدات الصحية فى مصر، وتوفير الخدمة الصحية اللائقة والمناسبة للمواطن البسيط، مثلما كان يحدث فى الستينيات حتى السبعينيات حتى تحولت الخدمات الصحية إلى تجارة بصحة المصريين مع دخول المستفيات الخاصة، مثل المدارس الخاصة، المحور الثالث هو محاربة الفساد فى كل مكان فى مصر، لأنه هو عدو التنمية فى مصر. هذا هو المطلوب الآن بعد 25 يناير فى ذكراها الخامسة، وهذا هو ما ينتظره الشعب من الرئيس والحكومة والبرلمان، فلن تفلح محاولات التخويف مرة أخرى فى مناسبات مقبلة.