فى زمن الحرب الباردة بين أمريكا والاتحاد السوفيتى، فى نهايات القرن العشرين، تواطأ الجميع بمساعدة واشنطن على أن يقدموا صورة رجال الاتحاد السوفيتى قساة القلوب، لا يعرفون سوى إطلاق الرصاص على المختلفين معهم، ويتجسسون معظم الوقت على غيرهم، بينما الثلج يحيط بمشاعرهم الغاضبة وبأرواحهم، وكانت هذه الصورة جزءا من أسلوب فرض الهيمنة الأمريكية على العالم، ونجحت أمريكا باستخدام السينما وفن الرواية والظروف فى إسقاط الاتحاد السوفيتى، وما زال البعض يحتفظ بهذه الصورة السلبية عن روسيا ورجالها، لكن ما فعله سرجى نارشكين، رئيس مجلس الدوما الروسى، فى زيارته لمصر يقدم شكلا آخر لرجال السياسة الروس، ويوضح كيف تعمق الدول علاقاتها مع الآخرين.
«من أراد أن يترك أثرا طيبا عند مجتمع ما، فليشاركه ثقافته ويتحدث عنها بلغة المحب»، هذه هى الرسالة السهلة والوصفة السياسية البسيطة للنجاح فى العلاقات الدولية، كما يؤكدها «نارشكين»، فعلى الرغم من أنه قادم للقاء أعضاء البرلمان المصرى، لكن أهم نتيجة فعلها مع البرلمان كانت دعوته لإنشاء لجنة للصداقة المصرية الروسية، وعندما ذهب لزيارة المتحف المصرى، قال كلاما يدخل فى إطار الشعر عن الآثار المصرية، حيث علق قائلا: «إن المتحف المصرى هو مصدر القيم الروحية ليس للشعب المصرى فقط، وإنما للشعب الروسى أيضا، ولا مفر من أن يجذب السياح الروس إليه، فى إشارة لعودة السياحة الروسية لمصر مرة ثانية، لكن المفاجأة تمثلت فى إصراره على شيئين، الأول التقاط الصور مع الملك الذهبى توت عنخ آمون بشكل ملفت، والأمر الثانى مشاركته فى افتتاح معرض القاهرة الدولى للكتاب مع شريف إسماعيل، رئيس مجلس الوزراء، وحلمى النمنم، وزير الثقافة، كما أنه قام بجولة فى كثير من الأجنحة الموجودة فى المعرض».
وخلاصة الموضوع، أن رئيس الدوما الروسية قدم نفسه جيدا فى صور العاشق لمصر وتاريخها، ولما كان هو جزء من دولة كبرى، ولا يستطيع أن يقوم بحركة ما دون الرجوع لدولته والتنسيق معها، فإنه بهذا الشكل يقدم شكلا لما تراه روسيا فى مصر، بما يكشف أنه رغم الظروف التى حدثت، فإن الأمور تتحرك للأمام، وأن الدول الكبرى لا تتحرك تحت عاطفتها، فتحب دولا أو تعاديها بسبب موقف لا دخل لها فيه، لكنها تعيد حساباتها جيدا.
ربما ما قدمه «سييرجى» الروسى درسا لكل السياسيين المصريين، بأنه لا فاصل بين شخصك ووطنك، وأن الصورة التى تقدم بها نفسك لشعب بلد آخر، هى فى الوقت نفسه صورة الوطن الذى تنتمى إليه، سواء أكنت فى مهمة رسمية أو فى رحلة خاصة.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة