الفارق بين إدارة الأزمة فى كارثة معدية قرية سنديون بمدينة فوة بمحافظة كفر الشيخ وغرق 15 شخصًا، وبين حريق فندق «العنوان» بدبى ليلة رأس السنة الذى أصيب فيه 14 شخصا فقط.. فارق كبير، والمقارنة فى إدارة الأزمتين لم تكن فى صالحنا بالتأكيد.
متابعة الحادثتين توضح أن هناك دولة لديها إدارة حقيقية للأزمات تضم كل الأجهزة المعنية الأمنية والعسكرية والمدنية متأهبة دائما لأى حوادث أو كوارث طارئة ولديها خبرتها العملية والميدانية مع مثل هذه الحوادث، وأجرت تجارب ميدانية عليها وتجتمع بشكل دورى لتنفيذ خطط وهمية وبحث إمكانية وقوع- لا قدر الله- أية كوارث وكيفية مجابهتها من خلال الأدوار المحددة والمرسومة لكل جهاز وجهة فى فريق العمل بما فيه الإعلام، وبين دولة تغرق فى «شبر مية» ويغرق معها مواطنوها ويضرب مسؤولوها «لخمة» ويتوهون فى متاهة القرارات.. لا أتحامل على المسؤولين فى مصر لكن الواقع هو الذى يكشف حالة الارتباك والعشوائية عندما تقع كارثة ما سواء حريق وغرق وغيرهما.
حريق فندق العنوان فى دبى وقع قبل 4 ساعات فقط من الاحتفال الضخم والمبهر الذى ينتظره العالم سنويا، وكان هناك أكثر من مليون شخص فى المنطقة المحيطة ببرج خليفة الأطول فى العالم والشوارع المجاورة فى انتظار أكبر عرض للألعاب النارية.
صورة النيران المتوحشة التى كانت تندلع من الفندق البالغ 65 طابقًا و196 غرفة كانت توحى بأننا مقبلون على كارثة ستخرج معها حكومة الإمارة ببيان إلغاء مظاهر احتفالات رأس السنة، لكن كانت المفاجأة أن الاحتفالات مستمرة، وأن فريق إدارة الأزمة بقيادة قائد شرطة دبى اللواء خميس مطر المزينة قد تحرك على الفور برجاله وقواته للسيطرة على الحريق، لم يسمح لأى مراسل أو كاميرا بالاقتراب من مكان الحادث، ولم نشاهد أى لقاءات مبتذلة وعشوائية مع شهود أو نزلاء الفندق أو رجال الإطفاء ولم نشاهد حوارات مع خبراء استراتيجيين للحديث حول انعكاس الحادث على السياحة، ولم نسمع كلمة واحدة تشير إلى أسباب الحريق والمسؤول عنها، والأهم أن الصحف الإماراتية صدرت فى اليوم التالى تشيد باحتفالات رأس السنة فى مواقع أخرى بعيدة عن الحريق وتشيد بتكفل الحكومة بنفقات النزلاء وتعويضهم عن الخسائر التى لحقت بهم ونقلهم إلى فنادق أخرى مجانًا.
إدارة الأزمة كانت على أعلى مستوى من مركز إدارة القيادة والسيطرة فى شرطة دبى، وسبق لى أن زرته وشاهد التطور التكنولوجى المذهل فى متابعة كل حركة على أرض الإماراة برا وبحرا وجوا، وفى حضور الشيخ سيف بن زايد، وزير الداخلية، وبالتنسيق مع غرفة عمليات الدفاع المدنى والإسعاف، وفى سرعة قياسية من خلال إدارة موقع الحادث تم إخلاء الفندق من النزلاء والزائرين وتأمين المنطقة المحيطة ببرج خليفة، والحيلولة دون وقوع أى وفيات بشرية.
التحرك السريع لفريق إدارة الأزمات والكوارث وكفاءة جميع الأجهزة المعنية كانت وراء السيطرة على حريق فندق «العنوان» وكانت هى عنوان النجاح بالفعل فى منع وقوع كارثة محققة فى الأرواح والمنشآت المجاورة فى ليلة استثنائية ينتظرها العالم، وحافظت على أرواح الآلاف من البشر الذين تدفقوا لمشاهدة الاحتفال.
الثقة فى الإمكانات وفى القدرة على إدارة الأزمة وفى السيطرة على الحريق المروع كان وراء إعلان المكتب الإعلامى لدبى بقيادة السيدة منى المرى كل ربع ساعة على إقامة الاحتفالات فى موعدها، تنفيذًا لوعود حكومة دبى وعدم تراجعها واحترامًا للسياح الذين جاءوا لمشاهدة تلك اللحظة.
لم يحدث تضارب فى البيانات والمعلومات ومصدرها كان واحدًا هو المكتب الإعلامى فقط ولم يصرح ضابط هنا أو هناك بأرقام وبيانات، لأن كل جهة تؤدى الدور المنوط بها فى إدارة الأزمة ولا تنشغل بمهام أخرى، هو درس فى كيفية إدارة الأزمة من دبى، ومع ذلك لا نستفيد منه فى كل مرة.