سبحان الله، بلدنا مليئة بقصص النجاح والتحدى والكفاح التى تحتاج لمن يسلط عليها الضوء ويعلى من شأنها وينقلها من دوائرها المغلقة إلى ما هو أوسع وأشمل، ولكن للأسف الشديد، لا إعلامنا يهتم بذلك ولا حتى دولتنا، وحديثى عن الدولة هنا مرهون بمدى الجهد المبذول من قبل الحكومة والدعم التى تقدمه لدفع قصص النجاح أو أى قصص تعلى من إحساس المصرى بوطنه واحترامها له.
بهدوء.. راجع معى قائمة الأفلام السينمائية فى دور العرض التى تتبناها الدولة وتسعى من ورائها لتدعيم العلاقة بينها وبين المواطن، لن تجد، لأنه ليس فى عقل حكومتنا استخدام السينما المصرية كأداة للتأثير فى المواطن المصرى، ولكن فى المقابل، ستجد فيلمًا أنتجته دولة شيلى يحمل اسم 33، يحكى قصة عمال منجم شيلى انهار عليهم المنجم وظلوا تحت الأرض ما يقترب من 55 يوما، ولم تتركهم الحكومة الشيلية وأنفقت ملايين الدولارات من أجل استخراجهم.
الفيلم مدته ساعتان ونصف، يحمل مزيجا من الدراما المتداخلة مع شحنات طاقة إيجابية يتم تصديرها بامتداد الفيلم، شحنات طاقة مفادها الأساسى أن الحكومة الشيلية لن تترك رجالها تحت الأرض، يسرد الفيلم كيف أن رجال المنجم محجوزون فى ملجأ يبتعد 600 متر، تحت الأرض، وأن رجال الهندسة الشيلية استحدثوا معادلة هندسية للوصول بالحفارات لهذا العمق دون انحراف هندسى، وكيف أنهم أخطأوا 10 مرات فى المعادلات الهندسية دون أن يفقدوا الأمل.
الفيلم والله.. ينشر الأمل، يعيد تقديم دولة شيلى، لنا نحن أبناء الدولة المصرية، بشكل ومضمون مختلف، الفيلم يدفعنى لأن أقيم دولة شيلى ليس باعتبارها دولة فقيرة أو متوسطة الحال، بقدر ما يدفعنى لاعتبارها دولة تحترم أبناءها ولا تتركهم، لأن كل التحليلات الأولية تشير إلى أن عشرات الانهيارات شهدها دولة شيلى من قبل، لم ينج منها أى عامل، ولم تنجح أى عملية تنقيب وإنقاذ، غير أن سعى الحكومة وحرصها فى هذه القضية تحديدا كان واضحا ونجح فى النهاية.
شيلى أنفقت على الفيلم الملايين، كى يخرج مقاربا للواقع، للحقيقة، لكى يظهر دون أى مزايدات، ونجحوا فعلا فى ذلك، بل وروجوا لها عالميا، ونقلوا الفيلم من تصنيفه كعمل فنى محترم إلى وثائقى يجسد نجاحا حقيقيا للدولة الشيلية، ولك أن تعلم أن أكثر من 50 دولة فى العالم تعرض الفيلم، ودولا جديدة تتوالى بعد فترة.
الأصل هنا أننا أمام عمل سينمائى متكامل، وتجربة ناجحة لاستخدام السينما فى دعم الدول، وبإسقاط الأمر على مصر، فبلدنا ليست أقل من شيلى، وقصص كفاح شعبنا وحكايات بطولاتنا ليست أقل، ولكننا أقل فى اجتهاد الدولة وسعيها لأن تدفع لإنتاج مثل هذه الأفلام وتقف وراءها.
إلى قرائى المحترمين، وأصدقائى الأعزاء، شاهدوا الفيلم، وعيشوا لحظاته كما هى، وستدركون كم يجسد هذا الفيلم من تأريخ حقيقى لقضية مهمة، وقارن نظرتك لدولة شيلى قبل مشاهدة الفيلم، وبعده.. ثم فكر قليلا فى أسماء عدد من الأفلام المصرية وانعكاساتها على شباب الوطن، فكر فى عبده موته، وقلب الأسد، الألمانى، شارع الهرم.
أخيرا.. دولة شيلى رقم 50 على مستوى العالم فى الناتج المحلى للفرد، يسبقها فى الترتيب إسرائيل وفرنسا واليابان وبلجيكا، يما يعنى أنها ليست دولة غنية ماليا، ولكنها غنية بشبابها وحكومتها، وما تقدمه لنا من سينما نظيفة يعكس تاريخها وكفاحها.
أمنيتى الأخيرة.. أن أشاهد فى القريب العاجل، فيلما بعنوان «مصر 33، أو مصر 73».
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة