«التاريخ على طريقة يا عوازل فلفلوا»
سوف يواجه المؤرخون الكثير من التلبك، وهم يتابعون الجدل المثير للجدل حول ثورة 25 يناير 2011، وعدد ونوعية من يتصدون لإصدار أحكام نهائية فى نفى أو إثبات الحدث الأهم فى مصر، خلال القرن الواحد والعشرين حتى الآن على الأقل، والأمر تجاوز «الكلام فى السياسة» إلى إصدار أحكام بالسلب أو الإيجاب، وكل واحد يسارع بوضع نفسه وحجز مقعده فى التاريخ قبل «التانيين».
وهو أمر تجاوز الكوميديا إلى ملهاة وغابة من المتكلمين يتصدى كل منهم للحدث بأحكام نهائية، وكأنه هو وحده الذى كان، والمدهش أننا أمام حدث وقع من خمس سنوات، وهناك عليه شهود كثيرون، لكن المعلق من هؤلاء يترك كل هذا ويجلس فى مكان الفلاسفة والمؤرخين، ليدلى برأيه، لا فرق هنا ما إذا كان يفكر بعقله أو برجله أو بأقدامه.
عادى جدا أن يكون هناك نقاش جاد لتسجيل الوقائع، وتسجيل الشهادات، كل منها يخص صاحبها بوصفه واحدا من آلاف أو مئات الآلاف الذين شاركوا، لكن ما جرى أن الأمر تجاوز النقاش إلى «الردح والتشاتم»، بين نوعية من المؤيدين والمعارضين، غالبا أغلبهم لاعلاقة له بالحدث، ربما تفرج عليه أو سمع عنه، ضمن ظاهرة «المؤرخ السياسى الرياضى المعلق بتاع كله».
يخرج أحدهم ليقول بكل ثقة إن ما جرى لا علاقة له بالثورة، وإنما مؤامرة تمت باتفاقات مختلفة بين أطراف متنوعة، فيرد عليه آخر: لا، إنها ثورة غصبا عنك وبالعند فيك، فيخرج رافض ليقول: لا بعينكم دى مش ثورة ولا حاجة، فيباغته مؤرخ آخر: إنها ثورة وطظ فيكم.
المدهش أن بعض المنكرين الآن أعلنوا تأييدهم وقتها، وبعضهم التقط صورا على طريقة «شفتنى وأنا ثائر»، وبعضهم يعلن نفسه «زعيما للثوار»، وأنه كان سباقا للثورة والمعارضة «والضرب بالجزمة»، واللافت «الجزمة» عامل مشترك بين كبار «الرداحين»، مع أنهم بلا سوابق سياسية أو إعلامية، ويتصورون أن خروجهم لإطلاق الشتائم، يمثل نوعا من الدفاع عن السلطة، أو عن الثورة وكلاهما يعبر عن جهل مركب لا علاقة له بالإعلام والتاريخ.
وللحق، فإن «الرداحين الرافضين»، يشبهون بعض نشطاء الرداحين ممن بدأوا مبكرا نظرية التأريخ بالأقدام، شتموا وتبنوا «الردح الثورى» فى مواجهة «الردح الفلولى»، وكلاهما لا علاقة له بالتاريخ ولا الجغرافيا، وإنما كل منهم يبحث عن نجومية بأى طريقة، حتى لو كانت «عجين الفلاحة».
والأفضل أن يؤخذ هؤلاء كنوع من الدعابة، خاصة مع علمنا بأن الثورات والأحداث الكبرى تخضع للمناقشة والجدل، فالثورة الفرنسية تجاوزت 200 عام، ولا تزال تخضع للنقاش، الثورة الروسية من 99 عاما، ولا تزال تثير الجدل، إلى آخره، بينما يمارس «الرداحون التأريخ» على طريقة يا عوازل فلفلوا.