ده الدنيا ماشية وشعبنا نساى
توفر الإحصائيات والبيانات على الواحد عناء الاعتماد على التخمين والحدس، والسير وراء الأقاويل المرسلة التى تدعى إلمامها بالرأى العام، مثل القول إن الأمر الفلانى يشغل الناس، أو أن الموضوع الفلانى «كسر الدينا»، ولذلك من حين إلى آخر أطالع بعض المواقع التى تهتم بتجميع اهتمامات الناس، ومن أشهرها «جوجل تريندز» الذى يصنف اهتمامات الناس فى كل بلد، بحسب أكثر الكلمات المتداولة على محرك البحث العالمى «جوجل»، وفى يوم 28 يناير الذى كان يوما مهما فى حياة المصريين حاولت أن أرى مدى اهتمام الناس بهذا التاريخ، أو عن أى شىء بحث المصريون فى هذا التاريخ، فوجدت المفاجآت.
28 يناير، يعنى جمعة الغضب، ويعنى ذكرى «يناير» ويعنى «شهداء يناير»، لكن جوجل لم يعترف بهذا الأمر، فبعد أن تصدرت قضية «بلالين أحمد مالك وشادى» اهتمامات المصريين فى الأيام القليلة الماضية، جاء الدور على «ناهد السباعى» التى دافعت عن «مالك وشادى»، وقادت حملة للرفق بهما، لكن المصريين لم يلتفتوا لهذه الحملة ولا لرأيها فى القضية، وأنها صبوا كامل اهتمامهم على التاتو فى أسفل ظهر الممثلة الشابة، والذى ظهر من خلال فستانها الذى احتل الترتيب الأول لاهتمام الناس فى مصر كأكثر الكلمات التى يبحث عنها المصريون، بعدها جاءت حادثة رجل الأعمال الشهير «محمد الرواس»، ثم حورية فرغلى التى كشفت أسرار تشوه أنفها- بحسب جوجل-، ثم أخيرا جاءت جملة «ألعاب تلبيس بنات 2016»، لتحتل المرتبة الأخيرة فى اهتمامات المصريين فى هذا اليوم.
قبل هذا التاريخ بيوم واحد اهتم المصريون بهذه الأشياء على الترتيب، نتيجة الشهادة الابتدائية، ناهد السباعى «مرة أخرى»، أحمد مالك وشادى، مسلسل «غدر الزمن» الجزء الثانى الحلقة 34، ثم مسلسل غدر الزمن الجزء الثانى الحلقة 35، ثم معرض الكتاب، ثم منتخب مصر، ثم غادة نافع، ثم هشام سليم، ثم معتز مطر الذى هاجم هشام سليم، ثم «واقى ذكرى» الذى اهتم الناس به بسبب تلك الفعلة التافهة التى فعلها «مالك وشادى».
«يا عم أقعد بس واشرب شاى.. ده الدنيا ماشية وشعبنا نساى، والبركة فى الشاشة وفى الجرانين».. هكذا قال «الخال» عبدالرحمن الأبنودى قبل أربعة أعوام، متوقعا أن ينسى الشعب كل شىء، وأن يلهو كما كان يلهو قبل «يناير 2011»، غارقا فى «الهوجة»، وناسيا «الهوجة» فى نفس الوقت، فالمصريون بعدما انتهوا من حفلة قتل «مالك وشادى» ولوا وجوههم ناحية ظهر «ناهد السباعى»، وكأنه أهم «ظهر» فى التاريخ، أو كأنه «معجزة»، أو «مزار سياحى» لابد أن يشاهده الجميع، أما القضايا المصيرية الأخرى كأزمة «سد النهضة»، أو صفقة «طائرات الرافال»، أو حتى قضايا حرية الرأى والتعبير، والحكم على الكتاب والباحثين بالسجن فى قضايا الرأى، فلا تشغل أحدا ولا تهم أحدا، وهو ما يتطلب خطة «مجتمعية» عاجلة لمواجهة هذا العبث.