لماذا لا تجتمع الحكومة مع معارضى مفاوضات سد النهضة؟.. بينما المفاوضات مستمرة بين مصر والسودان وإثيوبيا، فى محاولة للوصول إلى حل توافقى حول أزمة سد النهضة، نواجه يوميًا أصواتًا مصرية تؤكد أن استمرار المفاوضات بالشكل الذى عليه الآن، وبالطريقة الحالية، ضد مصالح الأمن القومى المصرى وأهدافه، تبنى البعض إجراءات تصاعدية ضد إثيوبيا، تبدأ من فكرة اللجوء إلى التحكيم، وعرض الأمر على محكمة العدل الدولية ومجلس الأمن، بينما هناك من يؤكد أهمية الاستمرار فى التفاوض والحوار مع إثيوبيا، مع ممارسة ضغوط دبلوماسية وسياسية على أديس أبابا، ولا مانع من الاستعانة بدول أفريقية وعربية مؤثرة فى هذا الأمر، وهناك فريق ثالث أكثر تطرفًا يشير إلى أهمية الحسم العسكرى لملف سد النهضة.
الحكومة من جانبها تسير فى الطريق الذى ترى أنه الأنسب على الأقل فى هذه الفترة، فهى تتفاوض مع إثيوبيا فى وجود الأشقاء السودانيين، مع طرح عدة أفكار تهدف إلى إدارة الحوار بين الدول الثلاث على أسس التعاون، وتحقيق المصلحة للجميع، وليس لدولة بعينها، ويكون ذلك من خلال طرح مشروع أكبر للتعاون بين الدول الثلاث، خاصة أن مصر التى لا تقبل المساس بحقوقها ومصالحها الاستراتيجية لا تريد أن تنتقص من حقوق الدول الأخرى، وإن كل هدفها أن ينعم الجميع بما يحتاجه، مع عدم الإضرار بمصالح الآخرين، أخذًا فى الاعتبار أن مصر ليست فى موقف يسمح لها بتقليل كمية المياه التى تحصل عليها حاليًا من دول منبع نهر النيل، والمقدرة بـ 55 مليار متر مكعب من المياه سنويًا، بل إنها تحاول زيادتها، لأن هذه الكمية لم تعد تكفى حجم سكان مصر الذى تجاوز التسعين مليون مواطن، فضلاً على مشروعات التنمية التى تحتاجها مصر خلال الفترة المقبلة لتوفير احتياجات المصريين.
الغريب أن من يعارضون التفاوض المصرى مع إثيوبيا حول سد النهضة منهم من شارك فى صنع الأزمة منذ البداية، وأقصد هنا تحديدًا الدكتور محمد نصرالدين علام، وزير الرى الأسبق، الذى شهدت فترة توليه وزارة الرى قبل 25 يناير 2011 اتجاه دول الحوض للتوقيع على اتفاق «عنتيبى» الذى يسلب من مصر والسودان الحقوق التاريخية فى حصص مياه النيل، فضلاً على إلغاء حق دول المصب، مصر والسودان، الفيتو على المشروعات التى تنشئها دول المنبع على مجرى النيل، أو ما كان يسمى بالإخطار المسبق، فبسبب عدم حنكة هذا الوزير سياسيًا ودبلوماسيًا وصلنا إلى طريق مسدود مع دول حوض النيل، ثم يأتى هو اليوم ليعارض كل ما تبذله الدولة من مجهود لإنهاء أزمة النيل بطرق ودية مع دول الحوض، وبما يعيد لمصر علاقتها القوية مع هذه الدول التى فقدت الثقة فينا بسبب تصرفات سابقة ساهم الوزير الأسبق فى جزء منها.
لا أحّمل «علام» المسؤولية الكاملة عما وصل إليه ملف النيل مع دول الحوض، وتحديدًا إثيوبيا، لكن ليس منطقيًا أن يكون هو جزءًا من هذه الأزمة، ثم يعود بعدما يجلس فى بيته ليكيل الاتهامات للمفاوض المصرى.
أيًا كان الموقف الآن، فإن السؤال الذى يجب أن ترد عليه وزارة الرى، هو: لماذا تترك الوزير الأسبق يتحدث فى ملف سد النهضة دون أن تحاول من جانبها أن تجلس معه، وتشرح له ما يحدث، لعله يدرك حقيقة الموقف، بدلاً من الأحاديث الإعلامية التى لا تستند لمعلومة، ولا هدف من ورائها سوى إثبات الوجود، وربما التبرؤ من هذه الأزمة من الأساس؟
الحكومة المصرية، ممثلة فى وزارة الرى، مطالبة بأن تفتح نقاشًا واسعًا مع المهتمين وذوى الصلة بملف السد، ومياه النيل بشكل عام، وأن يكون هذا الحوار موسعًا ليشمل «علام» وغيره من الخبراء الذين يتحدثون كل يوم عن الموقف المصرى، وما ينبغى أن يكون عليه فى جلسات التفاوض، لأنه لا يصح أن نصل لمرحلة تتعدد فيها الرؤى رغم غياب المعلومة عن الجميع.
على وزارة الرى أن تسارع إلى عقد هذه الجلسة، وربما جلسات متعددة مع كل هؤلاء الخبراء لتشرح لهم فى هدوء مجريات ما يحدث فى الملف، وتستمع لنصائحهم وتناقشهم فيها، علها تجد فى هذه النصائح ما يفيدنا مستقبلاً، والأهم من ذلك أن يتم التوافق بين الحكومة وخبرائنا على مدونة سلوك لإدارة الخطاب خلال الفترة المقبلة، حتى لا يؤثر على موقفنا التفاوضى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة