منذ ساعات ألقت قوات الأمن القبض على الفنان إسلام جاويش مؤسس صفحة "الورقة"، التى تعد من أنجح الصفحات على شبكات التواصل الاجتماعى، والتى يتميز صاحبها "إسلام جاويش" بخفة دم نادرة وقدرة مدهشة على الإبهاج، والتى تتناول بشكل أساسى بعض السلوكيات الاجتماعية المصرية وتسخر من سلبياتها ولا تأتى إلى الحقل السياسى إلا فيما ندر، وفى الحقيقة فقد أسهمت هذه الواقعة فى موجة من السخرية على صفحات التواصل الاجتماعى، كما أشعلت غضب العشرات من الفنانين والمبدعين الذى رأوا فى القبض على إسلام جاويش ميلا لاستخدام السلطة بشكل خاطئ وتعسفا أمنيا كبيرا لا يأتى من أجل سيادة القانون وتطبيق العدالة كما قالت الشرطة، وإنما يأتى من الفزع من الفن والضيق بالأصوات المعارضة و"تحمير عين" لكل من تسول له نفسه أن يقول كلمة ليست على الهوى.
لم تمر إلا ساعتان فقط بعد انتشار خبر القبض على الفنان الشاب حتى زادت صفحته على فيس بوك بمقدار مائة وعشرين ألف معجب حتى كتابة هذه السطور، وأتوقع خلال ساعات أن تزيد الصفحات بمعدلات متزايدة باضطراد، كما أننى على يقين من أن أصدقاء جاويش من رسامى الكاريكاتير لن يصمتوا على سجن زميلهم أو توجيه اتهامات عبثية له، وسيتضامن معظمهم مع زميلهم سواء بالقول أو بالرسم، وفى الحقيقة فإن عبثية هذه الاتهامات جعلت عشرات الآلاف من المواطنين على صفحات التواصل الاجتماعى تعلن تضامنها مع "جاويش" ضد الداخلية، وهو ما يصب فى النهاية لصالح من يريدون هدم استقرار البلاد والوقيعة بين مؤسسات الدولة والشباب لتتفاقم الأزمة الحالية وتصبح أزمات حالية ومستقبلية أيضا.
ومنذ أيام تعاطف غالبية المصريين مع رجال وزارة الداخلية بعد الواقعة التافهة الشهيرة بـ"الواقى الذكرى"، وكان كاتب هذه السطور من المتعاطفين مع هؤلاء الجنود الذى وقعوا ضحية تفاهة بطلى القصة "مالك وشادى"، لكن فى الحقيقة الداخلية بهذه الأفعال غير المسئولة تزيد من حالة افتقار الثقة فى مؤسسات الدولة وتبرز نفسها بشكل لا يليق بوزارة تقدم تضحيات حقيقية من أجل الوطن، وهو ما لا يجب أن نسمح به، خاصة أن مصر الآن تعيش حالة من الترقب للمستقبل فى أول اختبار للدولة بعد اكتمال شكلها الدستورى، أما على الصعيد الدولى فإننى أؤكد أن عيون العالم الآن تتابع مصر عن كثب، خاصة أننا نعيش فى ظل "معرض القاهرة الدولى للكتاب" الذى يعد بمثالة عيد للفكر والوعى والحرية، والذى يستضيف العديد من الأسماء الإبداعية الكبرى عالميا وعربيا، فهل هذه الصورة المشوهة هى التى نرضى أن تظهر مصر بها؟ وهل من المنطقى أن يكون القبض على جاويش بتهمة إدارة صفحة فيس بوك بعد القبض على محمد هاشم صاحب دار ميريت بتهمة تشغيل سماعات، وغلق مسارح وسط البلد لعدم حصولها على ترخيص من قبيل المصادفة فعلا؟
أربعة اتهامات وجهتهم الداخلية لإسلام جاويش، وفى الحقيقة معظم هذه الاتهامات ليس لها تعريف لدى الناس، فلا يعرف أحد من أى جهة حكومية يصدر تصريح بإدارة صفحة على فيس بوك، أو من أى مصلحة يذهب الواحد ليعتمد رسوماته أو آراءه أو كتاباته، كما أن فكرة القبض على الناس بحجة تشغيل برامج مقلدة أصبحت تهمة أصبحت أمرا "سيئ السمعة" لأن الغالبية من المصريين يعملون ببرامج مقلدة أو محملة من على شبكة الإنترنت دون الرجوع إلا مصدرها الأصلى، ولو فرضنا أن هذه الاتهامات حقيقية وأنه فعلا من المفترض أن يأتى الواحد بترخيص موقع من مارك زوكربرج مؤسس فيس بوك وعليه توقيع اثنين من موظفيه لا تقل أعمارهم عن 21 سنة، فعلى الأقل لابد أن يعمم هذا الأمر، وأن تنذر الداخلية المخالفين عدة إنذارات قبل إلقاء القبض على الواحد وهو كامن فى مأمنه، وكذلك الأمر فى بقية الاتهامات العبثية التى وجهتها الداخلية لجاويش، وفى النهاية فإنى على يقين من أن إسلام سيخرج من هذه القضية وهو الكاسب الوحيد، فقد كسب احترام الناس وكسب تعاطفهم وكسب زيادة عدد معجبيه على فيس بوك وكسب ثقة الناس فيه لأنه أثبت أن السلوكيات التى يهاجمها تستحق الهجوم فعلا، أما الخاسر الوحيد فهى مؤسسة من أهم مؤسسات الدولة.