أذهلنى التيار المؤيد لفعل الواقى الذكرى المشين، على طريقة «أخطأوا ولكن»، ومن بينهم أعداد من الشباب وإعلاميون وفنانون وصحفيون، جاءوا بتبريرات لتمرير الإهانة الجسيمة، والدعوة إلى التسامح وعدم الإسراف فى العقاب، وأن الاعتذار كاف، رغم أن شادى لم يشعر بالأسف واستمر فى تبجحه، وارتداء ثوب الضحية التى تنتظر العقاب.. بالفعل نحن أمام متغيرات حادة تنمو تحت جلد المجتمع، ولا نكتشفها إلا بالصدفة.
يبدو أن أشياءً مثل القيم والأخلاق والمبادئ والعيب، أصبحت موروثات قديمة آخذة فى الانقراض، ليس بفعل الواقى الذكرى فقط، وإنما بجرائم كثيرة تتجاوز إطار العقل، فالقتل مثلا جريمة عادية، ولكن الخارق للمألوف أن يجرد القاتل ضحيته من ملابسها ويغتصب جثتها، أو أن يذبح جدته لشراء المخدرات، ومثل عجوز المرج الذى يستدرج أطفالا ويجبرهم على ممارسة الجنس الجماعى، ويصورهم بالموبايل لإشباع غريزته المريضة، وأشياء وأشياء لم نكن نسمع عنها، ولكنها تتكرر فى المجتمع بشكل يؤكد أن الأخلاق اصطدمت بكتلة صخرية ضخمة.
إنه التطور الطبيعى لأفكار الشوارع المأخوذة من أطفال الشوارع، وتفسر لنا من أين جاء مالك وشادى بهذه الفكرة الجهنمية لإهانة الشرطة فى عيدها، وكيف توصل عقلهما لفكرة نفخ الواقى الذكرى، ومن أين جاءا بهذه الثقافة الوضيعة للاحتجاج، إذا كان لديهما ما يحتجان عليه، ولماذا لقيا بعض الترحيب والتبرير والدعوة إلى التسامح، فى فعل لا يجوز معه التسامح، ويعترف الجميع أنه مقزز ويثير الغثيان؟
القضية لم تغلق بعد، وتحتاج إلى ضبط ممارسات خاطئة كثيرة، خصوصا بالنسبة للإعلام، الذى يشعل أكبر الحرائق من مستصغر الشرر، فهو الذى نشر الفعل الفاضح على نطاق واسع، وكأنه يقوم بتغطية حرب تدمير العراق، ونشر الفيديو الذى شاهده الملايين، واعتقادى أن هذا الزخم المفتعل لا يحدث فى دولة أخرى إلا مصر، سواء متقدمة أو متخلفة.
تسييس فعل الواقى الذكرى علامة أخرى على روح الثأر الاجتماعى، الكامنة فى النفوس، فليس صحيحا الزعم بأن سبب الفعل المشين انسداد القنوات الشرعية للتعبير، والصحيح أن القنوات أصبحت ترعا ومستنقعات، وليس صحيحا أن هؤلاء الشباب هم نتاج فساد عصر مبارك، فعصر مبارك أنتج أيضا ضباطنا العظام الذين يضحون بأرواحهم فى سبيل الوطن، ولا أرى أيضا أنهم الحصاد المر لـ25 يناير، لأنها كانت فى بدايتها انتفاضة مشروعة لرفض أوضاع قائمة.
ولا أميل إلى مقولة إنهما ينفذان مؤامرة الإهانة الجنسية للموساد والـ«سى آى إيه» ورأس حربته أبلة فاهيتا، إلا بأدلة قاطعة ووقائع مثبتة، وليس باستنتاجات مرسلة، حتى لا نحمل الأمور أكثر من حجمها، ونعود إلى عصر محاكم التفتيش بلا ضمانات قانونية، تحمى المتهمين من فوضى انتقام الشوارع والميادين.
فى تصورى «هما» النتاج الطبيعى لبداية عصر انهيار القيم والمبادئ والأخلاق، وبداية عصر النهضة اللاأخلاقية.
وهما الاستثناء وليس القاعدة، لأن قوة مصر تكمن فى قدرتها على استدعاء مخزونها الاستراتيجى من القيم والمبادئ والمثل، لمواجهة تيارات الانحطاط والتدهور السلوكى والأخلاقى، والدليل رد الفعل المجتمعى الغاضب، ووضع مرتكبيه فى قائمة العار.. ومصر عامرة بشبابها الصالح، الذى يتطلع لمستقبل نظيف.