يبدو أن المجتمع العربى لديه حساسية كبيرة من الثقافة والمفكرين، وتاريخهم يثبت ذلك، ومهما يتقدم الزمن تظل تلك النقطة ثابتة لا تتغير، ففى عام 2015 لا يختلف عن أى سنة من تاريخها السابق، فصاحب القول المختلف منبوذ ومطارد، لكن بعد سنين عدة يبعث الله من يصحح المفاهيم ويعيد الاعتبار للمفكرين المظلومين ومنهم المصلح الاجتماعى قاسم أمين.
فى سنة 1894 كتب قاسم أمين كتابه «المصريون» وكان وقتها مقيما فى باريس، وهو بمثابة رد على كتاب وضعه الدوق دراكور هو «مصر والمصريون»، الذى هاجم فيه المجتمع المصرى وتعرض لقداسة الدين، لكن الصورة الشعبية الموجودة عن قاسم أمين هو التشويه المتعمد الذى قام به عدد من المتشددين والمتطرفين فكريا حول كتابيه «تحرير المرأة، والمرأة الجديدة»، حيث تمت الإساءة لأفكاره والتشكيك فيها من أول اتهامه بالعمالة للدول الغربية وتبنيه لأفكارها إلى التقول عليه والمزايدة فى شرح هذه الأقوال، مرورا اتهامه بأنه لم يكتب هذه الأفكار وإنما هى لأستاذه الإمام محمد عبده.
وقد ظلم قاسم أمين المتوفى 1908 كثيرا فى «مخيلة» هذا الشعب، وحتى النخبة المفكرة لم تملك فيه رأيا واحدا يعبر عن مكانة الرجل ودوره الفكرى فى المجتمع، ويجب على الجوانب الإعلامية ووزارة الثقافة أن تعيد لقاسم أمين مكانته التى يستحقها فى الشارع المصرى.
نقول ذلك بسبب ما حدث فى تونس، حيث قامت وزارة العدل التونسية بإعادة الاعتبار للمفكر والمصلح الاجتماعى التونسى الطاهر الحداد «1899 - 1935»، وذلك بأن أعادت اسمه مرة أخرى فى جدول مساعدى القضاء الذى فُصل منه عام 1930 بسبب كتابه «امرأتنا فى الشريعة والمجتمع»، يومها تمت مصادرة الكتاب وتم فصل «الحداد» من عمله وأُخرج من ملّة الإسلام، بعدما هاجمه عدد من شيوخ «جامع الزيتونة» المتشدّدين.
وهذا الأمر يحمل فى طياته نقاطا إيجابية كثيرة منها، حسبما ذكر أكثر من موقع فى تونس، أن هذه هى المرة الأولى التى تستجيب فيها السلطة التونسية لمطالب المثقفين والمؤرخين بإعادة الاعتبار رمزيًا إلى مفكّر عاش محنة التكفير والبطالة والحرمان من الزواج، وأنهى حياته مشردًا فى الشوارع، خائفًا من المتشددّين الذين بالغوا فى إهانته، إلى حد أنّه اضطر إلى ملازمة بيته، وبما أن مصر فى الفترة الأخيرة تتفاءل بتونس، فإننا نتفاءل بهذا الأمر أيضا ونتوقع أن يستطيع المثقفون المصريون تقديم وجهة نظرهم فى تقديم حل فى القضايا العالقة.
الأمر لا يتعلق بشخص قاسم أمين، لكنه يرتبط أكثر بطريقة التفكير، فإعادة الاعتبار لمفكرى هذه الأمة يكشف أنها تخطو للأمام، وأن هناك طريقا ممهدا للنهوض، فهناك شخصيات عربية كثيرة كل جريمتها أنها فكرت فتم مسح اسمها من سجل شرف هذه الأمة، وهذا دليل المرض.