أنقذوهم ولا تعوضوهم
لا مانع على الإطلاق من البحث عن حلول للمشاكل من خارج الصندوق. بشرط أن نعرف الصندوق وأبعاده، وننتهى من الحلول المتوافرة داخله الصندوق، وبعد ذلك يمكننا التحليق بخيالنا للبحث عما هو خارج الصندوق أو حوله أو بموازاته. نقول هذا لأننا أصبحنا أمام حالة تسود من سنوات، ومنذ تم اخترع مصطلح «حلول خارج الصندوق»، ومع كل أزمة نكتشف أن أحدا من المسؤولين لا يفكر فى الصندوق ولا خارجه، والنتيجة معروفة.
آخر مثال كارثة غرق معدية سنديون فى كفر الشيخ، قبلها غرقت معدية فى الوراق، أو فى الصعيد، بعد الحادث تتحرك «الجهات» والمحركات، مشهد «المطاردة» للمعديات المخالفة، وصرف تعويضات، ومع حساب حجم التعويضات نكتشف أنها بمئات الملايين على مدار العام، لو تم تخصيص ربع هذا المبلغ لإزالة أسباب الكوارث ساعتها سنوفر الأرواح أولا، والتكرار المأساوى ثانيا.
وهذه كلها حلول من داخل الصندوق، وليست بعيدة عنه ولا خارجه، اللافت للنظر لدى قطاعات كثيرة، هو أنها تتوجه مباشرة للبحث عن حل تقول إنه غير تقليدى، بينما تتجاهل المتاح أمام أعينها وعلى مرمى الأيادى.
ومنذ أسابيع ضربنا مثلا بمسؤولى أحد الأحياء فى الدلتا، قرروا مواجهة مشكلة القمامة المتراكمة وبدلا من التفكير فى رفعها وتوفير صناديق قرروا رش أكوام القمامة بالمبيدات لتطهيرها، وهو حل من خارج الصندوق، لكنه يدمر صندوق العقل والمنطق، ويدخل فى نطاق الفانتازيا الهلامية الخالية من الحل. فالحل الطبيعى المعروف لدى كل البشر فى أنحاء العالم هى رفع القمامة وإعادة تدويرها، والتخلص منها وليس رشها مع الإبقاء عليها، إلا إذا كانوا يعتبرون القمامة من المعالم السياحية.
مثال آخر تركيب كاميرات فى محطات المترو والقطارات والشوارع والطرق حل متاح ومجرب ومشهود بنجاحه، لكننا نصر على التجاوز عنه والبعض عما هو صعب ومعقد ومتعدد الاتجاهات، ونرى مئات من رجال المرور يرهقون فى محاولات تنظيم فوضى قائمة.
الكثير من مشكلاتنا تتوقف مثلا على تطبيق القانون الإشغالات فى الشوارع والأرصفة المحتلة والتعقيدات المعقدة، كلها جرائم كل ما تحتاجه أن يقوم السيد رئيس وموظفو الحى بتطبيق القانون، وتغريم من يخالف ساعتها سوف تتوقف المخالفات.
وبالعودة إلى أغلب إن لم يكن كل الكوارث نجدها أخطاء موجودة وتنبئ بكارثة، نتركها وبعد وقوع الكارثة وغرق المواطنين ينتبه المسؤولون ويتسابقون فى إخراج الجثث، أو الإعلان عن تحقيقات لا تصل لنتيجة، وصرف تعويضات يحرص المسؤولون على أن يعلنوها بصوت عال وأمام الكاميرات. وكأنها حلول من خارج الصندوق، بينما الصندوق أمامهم واللول ملقاة، وكل ما يفترض أن يفعلوه أن يقوموا بعملهم العادى قبل أن يغرق الصندوق، ويختفى ويموت من يموت، وتضيع أرواح وملايين وجهود تنمية، لمجرد أن أحدا لا يفكر فى واجبه العادى جدا، ومن داخل نفس الصناديق.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة