ذكرتنى واقعة إعدام القيادى الشيعى «نمر النمر» بما قرأته عن ظروف إعدام القيادى الإخوانى «سيد قطب» فى ستينيات القرن الماضى، فقد انزعج الكثيرون قديما من فكرة إعدام قيادة «فكرية» أيا كان دورها بل وصل الأمر إلى أن بعضا من زعماء العالم الإسلامى توسطوا لدى الرئيس جمال عبد الناصر من أجل العدول عن إعدامه، ومنهم الملك فيصل بن عبدالعريز، ملك السعودية، ورئيس العراق عبدالسلام عارف، ورئيس الجزائر هوارى بومدين، لكن عبد الناصر رفض هذه التوسطات وأعدم سيد قطب غير عابئ بما يترتب على هذا الأمر من تداعيات، ولهذا فإننى صرت شغوفا بمعرفة هذا الرجل، لكن قبل أن أتناول مضمون خطاب هذا الرجل بالتحليل لابد أن أؤكد هنا أننى لا أتحدث عن «حكم الإعدام» ولا عن تبريراته ولا تداعياته، وفى الحقيقة أيضا فإننى أرى أن أزمة السعودية وإيران الأخيرة أزمة مذهبية لا ينتصر فيها أحد ويخسر الجميع، وفى الحقيقة أيضا فإننى من أشد المتعاطفين مع حقوق جميع البشر بمن فيهم الشيعة بالطبع فى اعتناق أى مذهب أو دين وممارسة شعائرهم وعباداتهم بحرية تامة، لكنى فقط أدعوك إلى الاقتراب من هذا الرجل لتشاهد الصورة من جميع أوجهها.
أول ما قابلنى من تسجيلات مصورة لهذا الرجل تسجيل بعنوان «الفيديو المتسبب فى إعدام نمر النمر» وفيه إحدى خطب القيادى الراحل، وفى الحقيقة فإن هذا الرجل لم يستغرق وقتا طويلا ليهدم صورة رجل الدين الشيعى لدى، فقد بدا الرجل عنيفا فى حديثه متشنجا فى كلماته وأدائه الجسدى، وهذا خلاف صورة شيوخ الشيعة- على الأقل من تابعتهم فى لبنان- التى يغلب عليها الهدوء والتسامح، فقد كان «النمر» يصرخ شامتا فى موت الأمير نايف بن عبدالعزيز، وزير داخلية المملكة، الذى توفى فى يونيو 2012، وفيه يجاهر بالفرح فى موت الأمير نايف ويدعى أنه يعذب فى قبره وأنه لن يرى الجنة، بل يتهم بمن ينهاه عن الشماتة فى موت «نايف» بأنه غبى وبهيم وأعمى، ثم دخل فى وصلة من الدعاء على آل سعود وآل خليفة فى الإمارات، محقرا من شأن الجيش السعودى ومعظما من شأن الجيش الإيرانى بطريقة لا تصدر إلا من مواطن إيرانى متطرف، فما بالنا لو كان المتحدث «سعودى»؟
يقول الحديث الشريف «ليس المسلم بالسباب ولا باللعان ولا بالفاحش ولا بالبذىء» لكنك نادرا ما تستمع لتسجيل منسوب لـ«نمر» إلا وتجد فيه سبابا، فهذا غبى وهذا حمار وهذا فأر، وحتى رجال الدين لم يسلموا منه، إلى جانب هذا التسجيل اسمتعت إلى تسجيلات أخرى يرى فى بعضها أن إيران أفضل دولة فى العالم، ويرى أيضا أنها أفضل من أمريكا فى الديمقراطية، بل يرى أن رجل الدين- الشيعى طبعا- هو الأحق بالولاية والرئاسة «الأخماس»، وفى الحقيقة فقد ذكرنى هذا الرجل بمتطرفى مصر أمثال وجدى غنيم ومحمد عبدالمقصود وعاصم عبدالماجد الذين لا يبتغون من وراء لحاهم وعممهم إلا الحكم، غير عابئين بدين ولا دولة، وفى الحقيقة أيضا فإننى جزعت من مقدار الطائفية المتقطرة فى حديث الرجل ومباهاته بإيران وهجومه على آل خليفة برغم أنهم لم يناصبوه العداء كما ناصبه آل سعود كما يدعى.