بعض الأخبار المنشورة فى المواقع الإلكترونية والصحف اليومية تصدمك وتستفزك عند قراءة عنوانها، مثل خبر منشور بالأمس على لسان رئيس حى غرب القاهرة اللواء ياسين عبد البارى، الذى أعلن وبكل صراحة ووضوح ودون مواربة أنه سيتم تطوير كوبرى قصر النيل بتكلفة 4 ملايين جنيه بتمويل من البنك الأهلى.
لا تندهش عزيزى القارئ، بالفعل التكلفة 4 ملايين جنيه ليس من أجل بناء كوبرى قصر النيل من جديد، وإنما لدهانه وإنارته فقط واستنهاض «الروح التاريخية للكوبرى» وربما تكون هذه العبارة الأخيرة «الروح التاريخية» هى سبب ارتفاع تكلفة تطوير الكوبرى، لأنه بصراحة بعد قراءة الخبر استعنت بصديق له خبرة فى أعمال النقاشة والإنارة والتبليط، وأكد لى أن مقاولة تطوير الكوبرى التاريخى لا تتعدى ما بين 500 إلى 700 ألف جنيه، ولن تتجاوز بأى حال من الأحوال المليون جنيه.
وهنا قلت للصديق الخبرة: «أو لو أن رئيس حى غرب القاهرة استعان بنظرية الفنان الكبير نجيب الريحانى فى تثمين الخروف..!»، نظر إلىّ الصديق نظرة عدم معرفته بالنظرية العبقرية التى تؤكد أن تقنين الفساد له أصوله المقنعة للناس واتباع المنطق فى توصيف التكاليف المبالغ فيها.
الحكاية معروفة للعبقرى نجيب الريحانى فى فيلم أبوحلموس (إنتاج عام 1947)، فقد تم تعيينه بأحد الدوائر لأحد الباشوات ودخل عليه «ناظر الوقف» دون أن يعرف أنه الناظر طالباً منه كتابة تقرير بمبالغ باهظة تم إنفاقها، فقام بإملاء الريحانى الصيغة الآتية: «حضرة المُحترم مؤنس أفندى ياقوت: مرسل لكم طيه كشف بمبلغ 92 جنيها و17 قرشا و3 مليم عن قيمة ما صرف فى بياض الغرفة البحرية بمنزل حارة قاوين»، وهنا تدخل الريحانى ضاحكاً ساخراً من هذه السرقة المكشوفة قائلاً: «أوضة واحدة بيضوها بـ92 جنيه؟!» رد ناظر الوقف: «أيوا».. قاله «أيوا إزاى.. ليه.. بياض بلبن زبادى؟ بمربة تفاح؟ رد عليه وقاله: أظن كتير شوية؟.. رد الريحانى وقال له: «دا كثير أوى أوى.. دا نصب.. دا نهب.. كلام فى سرك ناظر الوقف بتاعنا من الصنف التقيل!! ده حرامى وحمار كمان»..!! قال الناظر له: «طيب يقيدهم إزاى؟» وهنا رد الريحانى قائلاً: «نكتب: كحت البياض القديم كذا، سنفرة الحيطان بعد الكحت كذا، تقطيب الخروم بعد السنفرة كذا، تمليس الحيطان بعد التقطيب كذا، ودهان أول وش كذا، دهان ثانى وش كذا، دهان ثالث وش كذا، وبعد كدا مش يكتب 92 جنيه دا يكتب 192 جنيه.. كدا تبقى مبلوعة!!».
وإستطرد الريحانى قائلاً: «وكمان خروف بـ18 جنيه؟» وهنا سأله الناظر: «طيب دى نقيدها إزاى؟» فرد الريحانى قائلاً: «حبل ومخلة وجردل لأكل وشرب الخروف، حكيم بيطرى للعناية بصحة الخروف، مزين لحلاقة شعر الخروف».
ضحك الصديق وطلب أن يقوم السيد اللواء رئيس حى غرب القاهرة باتباع نظرية «نجيب الريحانى» حتى تكون حكاية الـ4 ملايين جنيه مبلوعة شوية، ليس فقط تبليط الكوبرى أو إنارته أو دهانه. فالكوبرى تكلف عند إنشائه 113 ألفا و850 جنيها مصريا عام 1869 فى عهد الخديوى إسماعيل وسمى بكوبرى قصر النيل، نظراً لأنه كان يوجد قصر كبير على النيل من جهة ميدان التحرير يسمى قصر النيل أنشأه محمد على لابنته زينب ولما تولى سعيد باشا الحكم قام بهدم القصر وتحويله لثكنات للجيش، وقد احتلها الإنجليز بعد احتلالهم لمصر وبعد جلائهم تم هدم الثكنات وبناء جامعة الدول العربية وفندق هيلتون وبعد 59 سنة من إنشاء الكوبرى تم عمل كوبرى جديد مكان الكوبرى القديم يفى بحاجة النقل المتزايدة والحمولات الحديثة ويتلاءم مع ما وصلت إليه القاهرة من عمران فى عهد الملك فؤاد الأول، حيث قد قام بوضع حجر أساس الكوبرى الجديد فى 4 فبراير عام 1932 بتكلفة بلغت تقريبا 292 ألف جنيه.