يمر عام على ذكرى أحداث مجلة شارلى إبدو الدموية، التى راح ضحيتها 12 فردا، منهم 4 من رسامى المجلة، هذه الهجمة التى كانت فى بداية العام الماضى، كانت مؤشرا كبيرا على أن يكون عام 2015 دمويا بشكل لا يصدق، ولم يملك المثقفون والسياسيون المعترضون على هذه الأفعال سوى الكتابة، لذا صدر نحو 100 كتاب يتعلق بهذه الهجمات.
والسؤال: هل تكفى هذه الكتب وغيرها المتعلقة برفض الإرهاب، وكشف أساليبه وسبل تمويله ومرجعياته كى نطهر أنفسنا من الإحساس بالذنب من كون صمتنا أو كلامنا قد شارك نوعا ما فى صناعة هذه الحركات المتطرفة، أو أن الحكومات على تنوع أشكالها قد صنعت هذه الحالة الصدامية بين الشرق والغرب عن طريق الترغيب أو الترهيب؟
الإجابة هى أن الكتابة ليس دورها التبرير أو النجاة بالنفس من هول المعركة، فرغم هذه الكتب الكثيرة المتعلقة بحادثة واحدة، لكن لاحظنا استمرار الإرهاب طوال العالم، الذى انتهى بالأحداث المروعة التى حدثت فى باريس، وكأن الإرهاب الدموى أراد أن يبدأ وينتهى فى المكان نفسه بقصد التحدى وبقصد إعلاء كلمته على كلمة الكتاب.
لا أحد يقرأ، هذا ما يكشفه نشر الـ«100 كتاب» المتعلقة بالحادثة دون أن ينقص ذلك من خطر الإرهاب شيئا، لذا علينا أن نعترف بأن هناك أزمة قراءة فى العالم، وهى مشكلة لو تعلمون كبيرة، لأن 100 كتاب لو كانت تمت قراءتها والاستفادة بجزء من أفكارها، لزاد الوعى ولم يكن يتكرر مثل هذا الحادث الأليم أكثر من مرة.
ومن جانب آخر، ليست هذه الكتب الـ100 بريئة تماما، بل ربما كان معظمها نوعا من صناعة الأزمة، فواحد من هذه الكتب الصادرة هو كتاب «المطلب» الذى كتبه رئيس الحكومة الفرنسية مانويل فالس، ويتضمن خطبه، منذ شهر يناير الماضى مع توطئة يركز فيها فالس على دور الدولة فى مواجهة ما سماه «العدو الداخلى»، ويبرر المسؤول الفرنسى فى كتابه التعديلات الدستورية المقبلة والهادفة باعتماد المزيد من التشديد الأمنى عن طريق إدراج إجراءات حالة الطوارئ، وإسقاط الجنسية عن الفرنسيين مزدوجى الجنسية وغيرها، وهى إجراءات رفضتها جملة وتفصيلا أكثر من 96 منظمة حقوقية و15 نقابة.
تختلف الكتب وتتنوع بين البحث عن حل وبين الإدانة للنفس، لكنها جميعا تتفق على أن هناك إرهابا لا قلب له يأكل الأخضر واليابس فى هذه الحياة، وأن الثقافة واحدة من حوائط الصد الواجب تبنيها فى مواجهة هذا الإرهاب، وأن دورها لا يكمن فى تطهير أنفسنا والوقوف على جانب الطريق، لكن الكتابة تعنى الانغماس فى قلب المشكلة والبحث عن حلول، وهذه الحلول لا تقوم على هدم المعبد على رأس الجميع، لكن بالخروج إلى بر الأمان يدا واحدة فى مواجهة الإرهاب.