حاجة غريبة فعلا وتستحق التأمل، فجأة اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعى بجدل فارغ وسخرية من ارتداء وزيرة التعاون الدولى، سحر نصر، الحجاب أثناء زيارتها للسعودية ومشاركتها بالاجتماع التنسيقى الثالث بين البلدين، ومن السوشيال ميديا إلى الميديا، حيث انتقل الجدل الفارغ إلى الفضائيات، وتبارى أصحاب الدكاكين والميكروفونات فى تحليل وانتقاد وتفسير ما قامت به الوزيرة من عمل خطير بارتدائها غطاء الرأس أثناء الاجتماع.
كان السؤال اللوذعى المسيطر على السوشيال ميديا والميديا، هل ارتدت الوزيرة الحجاب بمزاجها ولا حد ضغط عليها؟ ولو ارتدته بمزاجها هل ده نفاق للسعودية ولا عن قناعة؟ ولو ارتدته لأنها مضغوط عليها، هل الضغط جاء من البعثة المصرية ولا من المراسم السعودية ؟ ولو انضغط عليها من الجانب السعودى ورضخت، يبقى مصر كلها قابلة للانضغاط ولا إيه؟ ولو مصر كلها قابلة للانضغاط «علشان حزمة مساعدات واستثمارات بـ30 مليار ريال، أمال لو بقوا 50 أو 60 مليار ممكن الوزرا بتوعنا يعملوا إيه؟، ويعنى لو أمريكا هى اللى قدمت حزمة المساعدات والوزيرة راحت واشنطن تتفاوض، هل كانت هتلبس الحجاب برضه؟» إلى آخر الأسئلة التافهة والسخيفة التى تتوالد منها أسئلة أسخف، تدل على أن واحدة من أهم مشاكل بلدنا التى يجب البحث عن حل لها هى السوشيال ميديا والميديا وطريقتنا فى التعامل معها والأخذ عنها والتأثر بها.
ألف واحد وواحدة فاضيين وبيهيسوا بأى كلام فى أى قضية، ممكن يغيروا مود البلد كله ويخلقوا قضايا وهمية للنقاش والجدل تكبر زى كرة الثلج ويتلقفها الإعلام الذى يتحرك بدون بصر أو بصيرة، على اعتبار أن ما يثار على السوشيال ميديا هو مؤشر مزاج الرأى العام وأغلبية المصريين، وفورا يتم الانطلاق من هذا التوجه ليعاد إنتاجه فى الفضائيات، خاصة فى برامج التوك شو، وعندما تظهر الأسماء اللامعة فى برامج التوك شو، وتتحدث عن موضوعات السوشيال ميديا ويراها الملايين، تكبر كرة الثلج أكثر وأكثر وتحل القضايا التافهة والمحروقة والمتغيرة بسرعة شديدة محل القضايا الأساسية المفترض أن تشغلنا، مثل الأمن وعجز الموازنة والتنمية فى قطاعات الصحة والتعليم والإسكان.
هذه الضجة المفتعلة حول حجاب الوزيرة، كان من الممكن أن تنتهى بصدور تصريح توضيحى من الوزارة أو من البعثة المشاركة فى الاجتماع التنسيقى المصرى السعودى الثالث، وبالفعل صدر هذا التصريح التوضيحى من مصادر دبلوماسية قالت: إن ارتداء وزيرة التعاون الدولى الحجاب جاء احتراما للتقاليد السعودية، باختصار يعنى ده شغل إدارة المراسم والبروتوكول، فلماذا تم تجاهل هذا التصريح الرسمى التوضيحى وانشغل مقدمو البرامج باتهام الوزيرة بنفاق الجانب السعودى تارة، والرضوخ للضغوط تارة أخرى، جريا على تفاهة وهوس السوشيال ميديا؟
الإجابة المرة، أننا فى وسائل الإعلام نتبنى منهج الإثارة الفارغة بعيدا عن المعنى أو القيمة أو إدراك ما ينفع الناس ويمكث فى الأرض، وهذا المنهج الرخيص سائد لأنه جزء من صناعة أكبر هى صناعة الإعلان، التى تقوم على لفت انتباه الناس بأى طريقة كانت، وللأسف الشديد، لا يملك الكثير من صناع الإعلام ومقدمى برامج الفضائيات شجاعة السباحة ضد تيار البلاهة والإثارة وشغل الناس بالقضايا التافهة، والدولة لا تفعل شيئا لأنها ترى الاستثمار فى الإعلام تكلفة زائدة وأمرا غير حيوى، بينما تعانى من قناة صنعت دولة وقنوات تمولها الدول المعادية، وبدلا من وضع خطة عاجلة لصناعة وسائل إعلام قوية تخوض الحرب الشريفة للوطن الآن، تسعى الدولة إلى احتواء الفضائيات الموجودة، وترك السوق مفتوحا للغريب والقريب يفتح قنوات ويبث من داخل البلد، والنتيجة صفر، الهرتلة التى نعانى منها، وسيادة إعلام السوشيال ميديا!!
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
مصر
كاتب المقال
أحسنت..وللمنتج السينمائي أتقي الله