نحتاج مشروعاً ثقافياً وطنياً
برغم إيجازه واقتضابه وعدم الاستفاضة فيه، كان خطاب الرئيس عبد الفتاح السيسى فى الكتدرائية موفقا وموحيا إلى حد بعيد، وبعيدا عن الرسائل السياسية والجماهيرية والمجتمعية التى بعث بها الرئيس إلى المصريين والعالم، فإن أكثر ما استرعى انتباهى وأجج سعادتى هو ما أفصح عنه الرئيس فى الخطاب حول لقائه بأحد المفكرين ومناقشته مسألة قبول الآخر فى الثقافية وأهمية أن تصدر مصر كتابا أو مجموعة كتب تجعل أبناء مصر سواء كانوا أطفالا أو شبابا أو شيوخا يدركون أهمية التنوع بين البشر وأهمية فكرة قبول الآخر، وفى الحقيقة فإن هذه الفكرة تكاد تكون الفكرة الحقيقية المفتاحية لبناء مصر الجديدة والإسهام من جديد من تطوير العقل المصرى والارتقاء بالمجتمع، فقبول الآخر «ثقافة» تهذب الروح وتوسع الأفق بالشكل الذى يمنح المصريين جميعا شعورا حقيقيا برحابة الوطن وكما يمنحنا الثقة فى قدرته على الاحتواء وهذا الشعور كفيل بأن يفجر الطاقات الكامنة فى كل واحد فينا، وبالتالى تستطيع مصر أن تستفيد من جميع أبنائها بالوجه الأمثل.
لا أخفى عنك مدى سعادتى بأن الرئيس عبد الفتاح السيسى حينما فكر فى حل لأهم مشاكل مصر أدرك بفطرته أن الحل يكمن فى «الثقافة» وهو الوعى الذى غاب عن الكثيرين من صناع القرار فى مصر بما فى ذلك بعض صناع القرار «الثقافى» وفى الحقيقة فإن هذا الفرح تضاعف حينما أكد الرئيس على أهمية أن يوجه هذا المشروع إلى «أبنائنا من أول المدارس حتى الجامعات» وهذه هى المرحلة العمرية التى يتأثر فيها الإنسان تأثيرا إيجابيا مباشرا بكل ما يحيط به، لكن وليسمح لى سيادة الرئيس فإن هذه الأزمة الكبيرة لا يكفى «كتاب أو مجموعة كتب» لحلها، فهذا أمر يحتاج إلى مشروع ثقافى وطنى، يرسخ قيم المواطنة والحرية والعقلانية، مشروع يمنح المواطن المصرى بريقا حضاريا، يهذب روحه ويطور شكله ويعمر قلبه بحب الحياة والوطن وللأسف كما أكدت فى عشرات المقالات السابقة على أهمية هذا المشروع وناديت قبل يناير 2011 وبعده عن الأهمية الاستراتيجية لإعادة «الشخصية المصرية» إلى «الشخصية المصرية» بسماحتها وحيويتها وشغفها بالحياة، وحدث أن استجاب الدكتور شاكر عبد الحميد حينما كان أمينا عاما للمجلس الأعلى للثقافة لهذه الفكرة وقرر إنشاء لجنة عليا للثقافة النوعية تكون مهمتها التعريف بالثقافات المختلفة للشعب المصرى من الحدود إلى الحدود، لكن هذه الفكرة «للأسف» تم وأدها سريعا، ثم جددت الدعوة أثناء كلمتى فى مؤتمر ثقافة مصر فى المواجهة فى المجلس الأعلى للثقافة فى الندوة التى شرفت بالمشاركة فيها مع الدكتور جابر عصفور والدكتور منى طلبة داعيا إلى تبنى خطة استراتيجية ثقافية عامة، لكن للأسف أيضا أسىء فهم الفكرة كما تمت إساءة فهم مصطلح «الاستراتيجية الثقافية» الذى لاكته ألسنة الموظفين حتى فقد بريقه.
يطيب لى هنا أن أهدى إلى سيادة الرئيس أغنية «Finger Family Collection» الموجهة للأطفال وليلاحظ الرئيس كيف يسرب الغرب إلى أبنائه فكرة التنوع الثقافى وقبول الآخر سواء كان عربيا أو هنديا أو أفريقيا ليس عن طريق كتاب فحسب وإنما عن طريق الأغانى والأفلام والمسارح، فى الوقت الذى نفتقر فيه نحن إلى فيلم واحد عن أهل سيناء.