أقامت جمعية الملحنين والمؤلفين والناشرين المصريين احتفالية كبيرة فى دار الأوبرا المصرية بمناسبة مرور سبعين عامًا على إنشائها، واحتفالاً بالعيد الأول للملكية الفكرية بعد أن ضمنها لأول مرة دستور مصر الجديد ضمن مسؤوليات الدولة فى حمايتها.
قد تكون الاحتفالية قيمة لأن فيها تغنت أصوات جميلة، مثل على الحجار، ومى فاروق، وإيمان البحر درويش، وحضرها ثلاثة وزراء، مما يعنى أن الحكومة تولى اهتمامًا بالملكية الفكرية، ولأنها كرمت عمالقة الفكر والإنتاج الغنائى كلمة ولحنًا على مدى الأجيال، ولكن فى ظنى أن أهم ما فى هذه الاحتفالية هو تكريم اسم الشيخ محمد يونس القاضى، الغائب.. الحاضر دومًا على لسان كل مصرى بكلمات أغنيات نرددها كثيرًا، ولا نمنح صاحبها حقه أبدًا.
الشيخ محمد يونس القاضى أحد مشايخ الأزهر الذى وُلد فى 1 يوليو 1888، وهو مؤلف أغنية النشيد الوطنى «بلادى بلادى»، وكاتب كلمات «زرونى كل سنة مرة»، و«أنا هويت وانتهيت»، وأغنية «حب الوطن فرض علىّ»، و أغنية «يا عزيز عينى أنا بدى أروح بلدى»، وأغنية «أرخى الستارة اللى فريحنا»، و«يا بلح زغلول».. عشرات من الأغنيات الأشهر فى تاريخ الغناء المصرى، نعرفها ونرددها جيلاً من بعد جيل، ومطربًا من بعد مطرب ولا نعرف اسم صاحبها، ولا نوفيه حقه.
تنوعت إبداعات الشيخ محمد يونس القاضى ما بين الكتابة فى الصحف، ونسج الأزجال، وكتابة الأغنية والمسرحية وغيرها من فنون الكلمة، وعمل رئيسًا لتحرير القسم الفنى فى جريدة «اللطائف» المصورة، حيث كان صاروخان، رسام الكاريكاتير الشهير، تلازم رسومه كلمات الشيخ، ومن بعده جاء صاروخان رسام الكاريكاتير أيضًا الشهير.
وكانت بداية علاقة الشيخ محمد بسيد درويش بداية لمرحلة جديدة فى حياة كل منهما، فقد قدما أجمل الأغنيات الوطنية والعاطفية، مثل «زرونى كل سنة مرة»، و«أنا هويت وانتهيت»، و«أهو ده اللى صار»، ولهذه الأغنية حكاية وسبب فى تأليفها، فقد اعتقل الإنجليز ذات مرة الشيخ فلقيه نجيب باشا، وكيل الداخلية، وأمسكه من جبته وقفطانه، وقال له: «بدل ما تقول الكلام الفارغ ده دوّر الأول إزاى تصنع جبة وقفطان فى بلدك»، فكتب الشيخ: «مالكش حق تلوم عليّا، وخير بلادنا ماهوش فى إيدنا، وبعدها لوم عليّا، إيدك فى إيدى نقوم نجاهد، والأيادى تكون قوية، سعدك أصيل والخصم عايب دولا أنصار القضية».
وحين منع الإنجليز ذكر اسم سعد زغلول ورفاقه، كتب الشيخ محمد يونس القاضى أغنية «يا بلح زغلول»، وتحايل على القانون، فراح يذكر كلمة «سعد» و«زغلول» فى كل أغنية ومسرحية يكتبها.
الشيخ محمد يونس القاضى هو مكتشف أم كلثوم، وهو من أعطى عبدالوهاب الفرصة ليتألق، وغنت له منيرة المهدية حين كانت تُلقب بالسلطانة، ومكتشف سيد درويش، وزكريا أحمد، حيث كان يلف البلاد شمالها وجنوبها وشرقها وغربها بحثًا عن أصوات تصلح للغناء.
الشيح محمد يونس القاضى، الشيخ الأزهرى كان أول رقيب على المصنفات الفنية، حيث عمل فى هذه المهمة كخدمة لأحد أصدقائه فى جهاز الداخلية، وفى مهمته تلك كان يمنح التصاريح لإجازة الأعمال الفنية، حيث نقى الأغنية المصرية من كثير من الأعمال الرديئة، حتى أنه منع «طقاطيق» كان هو شخصيًا كتبها لمنيرة المهدية، وزكريا أحمد.
الشيخ محمد يونس القاضى الشيخ المعمم الذى خرج من الأزهر، وقدم كل هذا العمل الفنى، لم يتهمه أحد من مشايخ وكبار رجالات الأزهر والدين آنذاك بالكفر، فى أعلى درجات الاتهام أو بالفساد فى أدناه، فقد كان الأزهر حينها منارة للدين والدنيا وللعلم، ولكل فن راق يدفع البلاد والعباد للأفضل.
لكن مات الشيخ محمد يونس القاضى عام 1969 بعد معاناة من المرض والتهميش، وإن ظلت كلماته خالدة نرددها جيلاً بعد جيل، ومطربًا بعد مطرب، فيظل الرجل هو الحاضر كلمة وأغنية، والغائب اسمًا وحقًا.
حنان شومان
الشيخ محمد يونس القاضى.. حين كان الأزهر ينتج غناءً كانت مصر أجمل
الجمعة، 08 يناير 2016 04:00 م