تعلو صيحات التضامن «الشيعى» مع طهران و«السنى» مع السعودية، وواشنطن تدرس التداعيات بهدوء، ووسائل الإعلام المختلفة تدق طبول الحرب، الجميع يخطب ود أحد الأطراف حسب مصالحه، دون إدراك حقيقى لنيات الإدارة الأمريكية المحرك الحقيقى للأزمة، ولمزيد من الفهم نعود لنمر النمر.
ولد 1959 بمدينة العوامية محافظة القطيف بالمنطقة الشرقية بالسعودية (التى تسكنها أغلبية شيعية)، ورغم أنه سعودى الجنسية فإنه هاجر إلى إيران 1980 لدراسة العلوم الشرعية وبعد عشر سنوات توجه إلى سوريا، ثم عاد إلى السعودية وذهب إلى البحرين، ودعا إلى انفصال القطيف والأحساء وتشكيل دولة شيعية مع البحرين، وكان من أبرز المنتقدين للحكم فى السعودية لعدم التوزيع العادل للثروة والمناصب مع الشيعة، اعتقلته السلطات السعودية عدة مرات ما بين 2006 و2009، والغريب أنه كان يفرج عنه دائما رغم دعواته الانفصالية الخطيرة، ولكن فى 16 يونيو 2012 بعد وفاة ولى العهد السابق ووزير الداخلية حينذاك الأمير نايف بن عبدالعزيز، خطب وأعرب عن رفضه اختيار الأمير سلمان بن عبدالعزيز وليا للعهد خلفا له ليعتقل بعدها النمر فى 18 يوليو ويحكم عليه بالإعدام.
لمزيد من الفهم علينا أن نلقى نظرة على TOBY CRAIG JONES الأستاذ الجامعى والمتخصص فى شؤون الخليج فى صحيفة النيويورك تايمز، وجاء فيه: (إن القادة السعوديين كانوا يدركون مسبقا بأن إعدام الشيخ النمر سيغضب إيران، معتبرا أن العائلة السعودية كانت تعول على ذلك فى ذلك التوقيت لمواجهة الضغوطات التى تواجهها المملكة، نظرا للانخفاض الحاد فى أسعار النفط من جهة وتحسن العلاقات الإيرانية السعودية من جهة أخرى) ويضيف الكاتب الأمريكى: (ونظرا لتقليص الدور السعودى الإقليمى، كما أن الجيش السعودى يواجه مصاعب كبيرة فى اليمن) وعليه يرى الكاتب أن إعدام النمر لا يشكل أزمة للسعودية بل فرصة لحكام الرياض لإسكات المعارضة فى الداخل، وحشد الأغلبية السنية، واستعادة القيادة الإقليمية السنية من جديد، ورأى الكاتب الأمريكى أن الخطة السعودية ستنجح على المستوى القريب، ولكنها ستزيد من التطرف على المستوى الأبعد!!
مما سبق نكتشف أن النمرالشيعى لم يكن رجل إيران فقط فى السعودية، بل ورجل مخابرات دول محيطة ومتنفس لمن هم وراء المحيط، بل وإلقاء القبض عليه فى المرة الأخيرة لم يكن لنشاطه الانفصالى بل «لدس أنفة فى شؤون العائلة» بشكل ملغز ولافت للنظر، (راجع مفردات خطبته الأخيرة) وعلاقتها باختيار ولى العهد حينذاك، كما تجدر الإشارة إلى أن النمر رغم خطورته ونشاطه الانفصالى ودعوته للقتال ضد السعودية لم يحكم عليه بأى حكم من قبل وكان يفرج عنه بعد تدخلات سعودية داخلية!!
على الجانب الآخر يبدو أن القرار السيادى القضائى السعودى لم يتخذ بعلم أولى الأمر فى واشنطن، ويبدو ذلك جليا من مضمون الأستاذ الجامعى الأمريكى قريب الصلة من «CIA» المتعاطف مع إيران، إضافة إلى أن النيويورك تايمز (قريبة الوصل مع إسرائيل) بنشرها هذا المقال فى هذا التوقيت تتنبأ بأن الدوائر الصهيونية غير راضية عن القرار السيادى السعودى بل تربط الدوائر الصهيونية بين القرار السعودى بإعدام النمر وتقدم الجيش العربى السورى ضد داعش واستعادته للكثير من المساحات!
رغم تأييدى للمملكة العربية السعودية فى قرارها القضائى السيادى وثقتى فى إدارتها للأزمة فإننى أتمنى على صناع القرار فى مصر المحروسة إدراك كل تلك الأبعاد، لأن ما يحدث غير بعيد عن فهم المخابرات الإيرانية التى ما زالت لها أوراق لعب كثيرة مع حماس والقاعدة وآخرين.