نريد معرفة أسباب حرائق قرى الشرقية ولماذا توقفت؟
مكتوب علينا أن نعانى طويلا من ثقافة التخلف والخرافة، لأن المجتمع عموما يصدقها ويستهلكها، ولا توجد جهود حقيقية لمواجهتها.
خذ عندك مثلا، حادث البيوت التى تشتعل فيها النيران بشكل عفوى بقريتين بالشرقية، المحافظ ومدير الأمن صدقا المزاعم التى يرددها بعض الأهالى أن الجن هو الذى يشعل الحرائق، وسمحا للدجالين من كل الاتجاهات أن يؤكدوا ثقافة الخرافة وينشروا أن الحل لمثل هذه الظواهر فى أيديهم، وتلقف الأمر برلمانى سابق يسمى نفسه معالجا روحانيا، ذهب إلى القريتين اللتين تحدث فيهما الظاهرة واستقبله الأهالى والمحافظ استقبال الفاتحين، وبدلا من البحث عن السبب الحقيقى أو الجانى من هذه الحرائق الغريبة المرتبطة بأحداث سرقة، تركه الأهالى والمحافظ يستعرض علومه الجهنمية وألاعيبه، ليخرج بتصريحات غريبة مفادها أن قبيلة من الجن تنتقم من القريتين.
الفضائيات شمت الخبر وبدأت تتعامل مع الموضوع على أنه حقيقة واقعة، وأن الجن فعلا ينتقمون من أهالى القريتين، وطبعا كان البطل فى كل اللقاءات هو النائب البرلمانى السابق والمعالج الروحانى، بعدما زعم أنه تصدى لقبيلة الجن وأنها لن تعاود إشعال الحرائق مرة أخرى، وهات يا نصائح وتفسيرات عن الجن وخطورتهم والأسباب التى دفعتهم إلى الهجوم على القريتين والانتقام من أهلها بسبب قتل قطة هى فى الأصل إحدى الجنيات، وأن أهلها ينتقمون لها ويسرقون النقود والذهب من الأهالى، وهات يا رغى فى الخزعبلات حول الجن، بيطلع امتى ومين بيثيره ومين بيضايقه وإزاى نتجنبه، ونصائح للسيدات خصوصا عشان تبعد عنه وتتقى شره وما تخليهوش يلزق لها، إلى آخر الخرافات التى كنا نسمعها فى الحواديت المسلية من جدودنا.
لن أتوقف أمام الكلام الفارغ الذى يردده هذا النائب السابق، لكنى أتساءل عن نقطتين، الأولى أننا أمام أحداث سرقة متكررة فى القريتين اللتين تعرضتا للحرائق، فهل صدق مدير الأمن حكاية الجن هذه؟ لو كان الأمر كذلك يتخلى عن منصبه ويقعد فى بيته ونجيب دجال يشتغل مدير أمن، ويقرأ الطالع ويفتح المندل، ونعرف بكده مين اللى قتل وسرق ونقضى على الإرهاب بالمرة بمساعدة السحر والشعوذة.
السؤال الثانى يخص المستفيد الأول من هذه الأحداث الخرافية كلها، شوفوا الراجل اللى بيسمى نفسه معالج روحانى ده خد دعاية بالملايين وقدر يربى زباين من خلال الحادث، بعد ما كان مجهول ومحدش بيصدقه، وشوفوا مين له مصلحة أن عائلات بعينها تعانى من مشاكل فى القريتين دول، وحاولوا تتصرفوا بعقل ومنهج علمى عشان تعرفوا سبب الحرايق دى ومين وراها، بدل ما تمشوا ورا الدجالين وتفسدوا عقول الناس كمان وكمان، أما عن دور وسائل الإعلام، فهو للأسف، دور شديد التخلف والانحطاط، لأنها فى المجمل لم تتعامل مع الموضوع برشد وعقلانية، ولم توجه المسؤولين التنفيذيين للقيام بدورهم ومسؤولياتهم، وإنما تبنت منطق الإثارة، مهما كانت الخسائر الحالية أو فى المستقبل، ومهما كان الضرر الواقع على عقول الناس، وهى بذلك تسهم فى نشر ثقافة التخلف والانحطاط بدلا من مواجهتها.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة