هكذا أصبحت الجرائم عادية
إنها الكراهية، إنه الحقد، والكراهية نار إن لم نحاصرها أكلتنا، والحقد مرض إن لم نحاربه فتك بنا.
ساعات قليلة فصلت بين متابعتى لكلمة الرئيس عبدالفتاح السيسى فى الكاتدرائية التى أوصى فيها المثقفين بتأليف الكتب التى من شأنها أن تشيع المحبة والمواطنة والإخاء، ومطالعتى لهذا التسجيل المصور المنتشر على صفحات التواصل الاجتماعى لبعض الشباب «الصغار» الذين يتسلقون شجرة الكريسماس مدمرين إياها فى أحد المولات الكبيرة بمحافظة الجيزة، ساعات قليلة أكدت أن ما قاله الرئيس عن ضرورة تعليم الأطفال فن المحبة أصبح واجبا وطنيا ومشروعا قوميا يجب أن توليه الحكومة أهمية قصوى، فقد تحول «التخريب» من عمل إجرامى إلى عمل «جماعى» يمارسه الصغار دون أدنى شعور بالجرم، ودون تأنيب ضمير، ودون خوف من عقاب، ومن أمن العقاب أساء الأدب، وأساء إلى الأدب.
برغم بحثى المتواصل عن سبب قيام هؤلاء الشباب الصغار بما قاموا به من تسلق شجرة الكريسماس وتقطيعها ورجم البعض منها لها بما استطاعوا، لكنى لم أظفر بالسبب المباشر لهذه الجريمة، غير أن الكثير من التعليقات أكدت أنهم فعلوا هذا الأمر لأن شجرة الكريسماس - من وجهة نظرهم- رمز وثنى، وأنه يجب هدمها ورجمها أيضا، بينما ادعى البعض أن هذه الحادثة بسبب مشاجرة جرت بين بعض الشباب وأمن المول، وفى كل الأحيان فإن هذه الفعلة «مصيبة» كبيرة تؤكد أن مصر مقبلة على مستقبل غائم. فمرتكبو التحرش الجماعى «أطفال»، ومشوهو تماثيل وسط البلد «أطفال»، ومرتكبو الاغتصابات فى المدارس «أطفال» وزعماء تخريب المولات «أطفال»، وهو الأمر الذى يؤكد أن الكثير من أطفالنا أصبحوا مصابين بداء «العنف»، وأن أعراض هذا الداء غالبا ما تظهر فى صورة «إرهاب» أو «جريمة»، أما إن لم تجد الفرصة فى الظهور وتم كبتها فإنها تتحول إلى قنبلة موقوتة تظل قابلة للانفجار فى أى لحظة، وهو الأمر الذى تؤكده النوائب المتتالية علينا، فحالات التحرش الجماعى التى تنال من كرامتنا غالبا ما تبدأ بطفل أو طفلين، وفى دقائق معدودات يتحول الطفل إلى قبيلة أطفال، يهجمون على الضحية هجمة «نذل» واحد، ولا يتفرقون إلا بعد إتمام مهمة الانتهاك.
لا تفسد المجتمعات ولا تموت إلا حينما نتجاهل أمراضها ونتأخر فى معالجتها، والعلاج «الصعب» لهذه الأمراض المتتالية هو «الثقافة» ولا شىء غيرها، ولقد رأينا فى حالات التحرش التى قام بها بعض الشباب العرب فى ألمانيا فى ليلة رأس السنة خير مثال على مدى تملك المرض من أبناء أمتنا العربية والإسلامية، وكأننا مازلنا نعانى من الأمراض التى وصفها ابن خلدون فى مقدمته حينما قال عن العرب «بطبيعة التوحش الذى فيهم أهل انتهاب وعيث، ينتهبون ما قدروا عليه من غير مغالبة، وأما البسائط متى اقتدروا عليها بفقدان الحامية «أى الحماية» وضعف الدولة، فهى نهب لهم وطعمة لأكلهم». ولعل هذا ما يؤكد أن واجبنا ليس محاربة أمر مستجد على ثقافتنا وإنما أمر أصيل فيها، وهو ما يصعب المشكلة ويعقد الحل، لكن مع كل هذا لا يجب أن نستسلم لهذه الأمراض التى تكاد تفتك بنا، ويجب أن نعد العدة للجهاد ضد فساد الروح الذى حولنا إلى كائنات متوحشة.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة