ليس من حق أحد تعميم الخطايا على الناس للهروب من تحمل مسؤولية اتخاذ موقف أو انحياز
لطالما لفت نظرى هذا العنوان الصادم لرواية إحسان عبدالقدوس الشهيرة «يا عزيزى كلنا لصوص»، أن هذا المعنى هو ببساطة التبرير الأشهر لأكثر الأخطاء والخطايا، التى يرتكبها مقترفوها ثم يتمكنون من التعايش معها من خلال تعميم الخطأ على الجميع من خلال جمل مشهورة من نوعية: هى يعنى جت عليّ أنا؟! ما كل الناس كدة.. اللى زى الناس ما يتعبش.. هى كدة كدة بايظة، هكذا يتم تبرير الخطأ والتعايش معه ويتلاشى مبدأ الاعتراف به وتختفى ثقافة الاعتذار والإصلاح، نظرا لتلاشى واختفاء الشعور أصلا بأن ثمة خطأ ما، يحدث ذلك أيضا مع اتخاذ المواقف وتحمل مسؤولية الكلمة والرأى والصدق فى إعلان الحق فكل ذلك لابد أن يكون له تبعات، هذه التبعات تتباين فى شدتها من زمان إلى آخر وتختلف باختلاف الظرف والمكان وقد تصل فى أحيان معينة إلى ضرر مادى أو معنوى يحيق بصاحب الموقف أو الرأى وفى تلك الحالة تبرز سياسة الهروب بالتعميم أيضا وإراديا أو لا إراديا ينتهج البعض هذه السياسة - الهروب بالتعميم - عند خشيتهم من تحمل تبعات تلك المسؤولية.
كلهم زى بعض.. الجميع سيؤون.. الكل أشرار، هذه الجمل والتصورات تعد من أوضح الصور لهذا الوجه من وجوه الهروب، تعميم الخلل على الكل وإلقاء اللوم على الجميع وإخراج رسالة ضمنية مفادها تلك الجملة المشهورة، التى عنون بها إحسان عبدالقدوس روايته جملة: يا عزيزى كلنا لصوص.. عندما يُصدر لك الهاربون من تحمل المسؤولية ذلك المعنى بهذا الإطلاق فإنهم بذلك يظنون أن الأمر قد انتهى وأن المعضلة الأخلاقية قد تم حلها، وأنه ما دام الجميع سيئين؛ فانفض يدك منهم واكتف أنت ببرجك العاجى النقى الطاهر المطهر من دنس أولئك الأوغاد الأوباش الذين هم جميعا.. سواء وتلك الكلمة الأخيرة هى الأهم لابد من ترسيخها فى الوعى الجمعى كلمة: سواء
كلهم سواء، زى بعض، جميعهم واحد.. المسروق والسارق.. المقتول والقاتل.. المظلوم والظالم.. الضحية والجلاد. يا عزيزى كلنا لصوص.. أو بلاش «كلنا» خليها «كلهم» أحسن ولتظل أنت فى نقاوتك وطهارتك المزعومة، المهم أن تزول الفواصل والفوارق كلها كى نستريح من عناء الانحياز حتى لو كان انحيازا جزئيا أو انحيازا فى آحاد المواقف التفصيلية وتلك الكلمة الأخيرة - انحياز - هى العدو اللدود وهى التى يحاول أصحاب سياسة التعميم السابق ذكرهم سحقها بالكلمة الأسبق كلمة سواء، إذ لا «انحياز» لطرف مادام الجميع «سواء» فى الشر والإجرام.
المشكلة أن هؤلاء وأمثالهم يتصورون أن الانحياز لابد أن يكون كاملا ولذلك يرفضونه ويبررون لأنفسهم الهروب منه عن طريق التسوية السالف ذكرها وينسى هؤلاء أو يتناسوا عدة حقائق مهمة للغاية منها: أن المواقف تقوم بذاتها، وأن هناك انحيازا جزئيا وهو يختلف عن الاتباع المطلق، وأن الحق المطلق على طول الخط لا يملكه مخلوق غير معصوم، وأن وجود الخطأ لا ينفى وجود الحق أو جزء منه أحيانا مع ذلك المخطئ، وأن الأخطاء مراتب ودرجات، وأن الخطأ لا يبرر الخطأ الأكبر منه، وألا تزر وازرة وزر أخرى.
إن كل قاعدة أو حقيقة مما احتوته السطور الأخيرة على قصرها توضح بعد تفصيلها كارثية ذلك الطرح القائم على تعميم الخطأ وقد لخص النبى محمد صلى الله عليه وسلم خطورة ذلك الطرح بجملة جامعة مانعة كعادته فقال: «إذا قال الرَّجلُ: هلك النَّاسُ، فهو أهلكُهم» رواه مسلم فى صحيحه، قيل فى معنى هذا الحديث: إذا قال ذلك استحقارا للناس واستصغارا لهم فما اكتسب من الذنب بذكرهم وعجبه بنفسه أشد. وقيل: هو أنساهم لله، وقال الإمام مالك معناه هو أفلسهم وأدناهم، يعنى ببساطة ليس من حق أحد تعميم الخطايا على الناس سواء كان ذلك لتبرير خطئه هو أو للهروب من تحمل مسؤولية اتخاذ موقف أو إعلان رأى أو انحياز لما يراه حقا أو ببساطة أكثر يا عزيزى لسنا كلنا لصوصاً.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة