لا أعرف من الذى أقنع الحكومة المصرية على مدى السنوات الماضية بأن تتنازل عن أدوارها المختلفة، يوما بعد يوم حتى أصبحت خارج مباراة الحياة تماما، لا تلعب ولا تصنع ألعابا ولا تحرس المرمى ولا تدرب ناشئين ولا تقوم حتى بدور الحكم بين الفرق المختلفة، كل هذا يحدث فى مقابل احتفاظها بمهمة واحدة هى مهمة «التعليق»، فإذا رأت انفلاتا أمنيا قالت على لسان مسؤوليها «نحن نعيش فى انفلات أمنى»، وإذا رأت مؤامرة تحاك ضد الشعب خرج السيد المسؤول ليقول نحن نتعرض لمؤامرة، وإذا رأت الشعب مكتويا بنار الأسعار قالت «كله من جشع التجار»، ثم ماذا؟ ثم لا شىء. لا شىء أبدا، لا شىء على الإطلاق، لا تقف أمام المجرمين، ولا تجهض مؤامرات المتآمرين، ولا تضع حدا لجشع آكلى لحم البشر، ثم ماذا؟ ثم لا شىء. لا شىء أبدا، لا شىء على الإطلاق.
اقترب وشاهد حصريا على أرض مصر، مباراة من أسخن المباريات، مباراة سوق السيارات، والدولة تقول: الكورة مع التاجر، التاجر معاه الكورة، رفع التاجر سعر السيارة عشرة آلاف، والكورة مع التاجر، التاجر معاه الكورة، رفعها 20، والكورة مع التاجر، التاجر معاه الكورة، رفعها 30، والكورة مع التاجر، التاجر معاه الكورة، رفعها 40، 50، 60، 70، 80، 90، 100، والكورة مع التاجر، التاجر معاه الكورة، ثم فجأة تغير الدولة من إيقاع التعليق، لتقرر بما لا يدع للشك مكانا، إن المسؤول هو «جشع التجار».. جشع ياباشا.
حاولت خلال الأيام الماضية، أن أفهم ما الذى يحدث فى هذا السوق، أحد أصدقائى أقسم لى أنه اتفق على سعر سيارة مع التاجر، وذهب ليحضر ثمنها من البيت فتأخر ساعتين، وحينما عاد اكتشف أن سعر السيارة زاد 12 ألف جنيه فى هاتين الساعتين، والحجة الجاهزة هى ارتفاع سعر الدولار، وهو أمر قد يكون مفهوما بعض الشىء، لكن ما دخل سعر الدولار فى السيارات التى تصنع محليا بنسب تصل إلى 40% والتى يحصل صانعوها على تخفيض جمركى على مكونات الصناعة المستوردة فلا يدفعون جمركا سوى 40% من سعر المصنع أو أقل، فى حين أن سعرها يكاد يزيد على مثيلاتها المستوردة كليا من الخارج والتى تدفع جمارك تصل إلى 135% من سعر المصنع، والغريب أنك لو سألت أصحاب المصانع سيقولون لك «إن السبب هو جشع التجار، وإن سألت التجار سيقولون لك سعر الدولار، وإن سألت الحكومة ماذا تفعلين ستقول لك جشع ياباشا».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة