كنا قد أشرنا فى مقال سابق إلى التقسيمات الاجتماعية المختلفة للدخول فى مصر، فى محاولة لتحديد شرائح المجتمع المختلفة، للوقوف على أثر الأدوات التى تستخدمها السياسة المالية فى إعادة توزيع الدخل القومى، وما إذا كانت تحقق نجاحا فى الوصول إلى الفئات الأكثر احتياجا من خلال عملية إعادة التوزيع.
تقسيم المجتمع إلى فئات تبعًا لمستويات الدخول المختلفة أثبت بالفعل فى كل دول العالم، ومنها مصر، أن أكثر التقسيمات دلالة من الناحية الاجتماعية، والتى تعكس الواقع الحقيقى للمجتمع، ولكنه مع ذلك أكثر التقسيمات صعوبة فى التطبيق عملا، وذلك فكثير ما يعتمد فى تحليل سياسة إعادة التوزيع للدخل القومى بين مختلف الفئات الاجتماعية على نوعين آخرين من التقسيمات، وهما تقسيم المجتمع تبعًا لمصدر الدخل وتقسيمه تبعًا لفروع الدخل النوعية.
وعلى هذا الأساس فيمكن ونحن بصدد تقسيم المجتمع إلى فئات تبعًا لمصادر الدخل أن نعتمد على أكثر من تقسيم تبعًا لدرجة التفصيل التى يستلزمها الغرض من القياس، فيمكن مثلاً أن نقسم الدخول تبعًا لمصادرها وهى ثلاث تقسيمات، أولها كسب العمل ونقصد به الأجور والمرتبات وملحقاتها (فى الصناعة والزراعة والخدمات والقطاع الحكومى)، وثانيهما دخول رأس المال، ونقصد هنا أرباح الأسهم وفوائد السندات وريع الأراضى والمبانى، وثالثهما الدخول المختلفة، ونقصد بها الدخول المتأتية من العمل ورأس المال معًا. وقد جرى العمل فى مصر على تقسيم الفئات الاجتماعية، بالاعتماد على سجلات الضرائب النوعية، إلى خمس فئات وهى: الأجور والمرتبات، الدخول المختلفة (أرباح التجارة والصناعة وأرباح المهن غير التجارية)، الدخول الزراعية، دخول القيم المنقولة والدين العام، وأخيرًا الدخول العقارية.
ولكن يؤخذ على هذا التقسيم السابق (وهو الأكثر انتشارًا فى أغلب دول العالم المتقدم مثل فرنسا وإنجلترا وإيطاليا) أنه فى مصر، على الأخص، يسقط من حسابه دخل الاستغلال الزراعى والذى يحتل أهمية كبيرة فى الدخل القومى المصرى، ويفسر هذا الإسقاط بعدم فرض ضريبة على الدخول الزراعية فى مصر، اكتفاء فى هذا الصدد بالضريبة على الأطيان، غير أن هذه الأخيرة، وهى تفرض على المالك (وحدة دون المستأجر) والذى قد يكون غير المستغل للأراضى الزراعية، لا تدلنا على الإطلاق على الدخل الزراعى الحقيقى. ولذلك يكون من الضرورى إذا أردنا الاعتماد، فى تقسيم الفئات الاجتماعية، فى مصر، تبعًا لمصدر الدخل، على سجلات الضرائب النوعية (كما هو الحال الآن)، أن تعمل الحكومة على إضافة التقديرات الخاصة بالدخول الزراعية.
كما يمكن أيضًا أن تضيف الحكومة تقسيما آخر للمجتمع تبعًا لفروع الدخل (الإنتاج) المختلفة، وهى الزراعية، والصناعية، والخدمات. وهو ما يسهل عملية إعادة توزيع الدخل القومى حسب الغرض من إعادة التوزيع (أى فى صالح أى قطاع وعلى حساب أى قطاع إنتاجى آخر). فقد يكون من الضرورى أيضًا إفراد بند خاص بالقطاع الحكومى (الإدارة العامة) أو بالتشييد مثلاً. وتفيد هذه التقسيمات المقترحة فى بيان إعادة توزيع الدخل القومى بين فروع الإنتاج المختلفة، خاصة فى مراحل التنمية التى تمر بها البلاد الآن والتى يزداد فيها عادة الاهتمام بالصناعة المحلية والبناء والتشييد.
والآن فى النهاية يصب فى أهمية إعادة توزيع الدخل القومى وما يترتب عليه من آثار سياسية واجتماعية واقتصادية مهمة. وتتحدد بمدى ما تحققه النفقات العامة والضرائب من رفع مستوى معيشة الطبقات ذات الدخول المحدودة، الأمر الذى يحد من التفاوت بين الدخول والثروات، وهو ما يضمن التوازن المجتمعى والاستقرار السياسى.
وتتوقف الآثار الاقتصادية لإعادة توزيع الدخل القومى على ما ترتب من آثار فى حجم الطلب الكلى، وبالتالى فى حجم التشغيل وحجم الإنتاج وفى الادخار القومى، وفى قيمة النقود، وهى آثار تختلف تبعًا لمستوى النمو الاقتصادى المحقق والمستهدف فى مصر. وتنتج إعادة توزيع الدخل القومى آثارها الاقتصادية من خلال تأثيرهما فى مستوى الاستهلاك وفى بنيانه، ومن خلال تأثيرها فى الاستثمار وفى بنيانه، وهما شقا الطلب الحقيقى فى أى دولة .
لذا تعتبر التقسيمات سابقة الذكر من أهم الأساسيات التى تسهم فى تحديد كيفية إعادة توزيع الدخل القومى بصورة صحيحة، والتى يترتب عليها بعد ذلك كل النتائج الإيجابية المرجوة منها، سياسية واجتماعية واقتصادية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة