أكثر الحالمين بحدوث وقيعة بين مصر والسعودية هى إيران، التى تترقب ما يحدث حاليًا بشأن الخلاف فى الرؤى بين القاهرة والرياض حول الوضع فى سوريا، على أمل أن يحدث الشقاق وتكون هى البديل الآمن لمصر، كما يعتقد حكام إيران.
الإيرانيون لم يملوا من طلب ترفيع مستوى العلاقات الدبلوماسية والسياسية مع القاهرة، ورفع مستوى التمثيل الدبلوماسى بين البلدين من درجة «مكتب رعاية المصالح» إلى سفارة، وعرضت طهران أكثر من مرة على مصر خطط للتعاون الاقتصادى، وتزويد مصر بما تحتاجه من منتجات بترولية، فضلًا عن الدفع بالسياحة الإيرانية، محاولة استغلال الوضع الاقتصادى الحرج، الذى نعانى منه حاليًا، لكن ورغم كل هذه المغريات، لكن الموقف المصرى بقى كما هو، لأن العقيدة المصرية لا يمكن التنازل عنها أو تبديلها لمجرد الفوز باتفاقيات اقتصادية.
رفضت مصر أكثر من مرة المغريات الإيرانية، وتمسكت بمواقفها المعلنة بأن أمن الخليج خط أحمر، وأن على إيران التوقف عن تدخلاتها فى الشؤون الداخلية لبعض الدول العربية، مستغلة فى ذلك العناصر الشيعية الموجودة فى هذه الدول، أو بمعنى آخر أن تتنازل إيران عن حلم تصدير الثورة الشيعية إلى خارج حدودها، وأن تكون علاقاتها مع الدول العربية قائمة على التعاون وليس فرض الرؤية الإيرانية، بل والسيطرة على هذه الدول.
رفضت مصر رغم علمها أن عددا من الدول العربية، التى تعانى من تدخلات إيرانية مستمرة لازالت تحتفظ بعلاقات دبلوماسية وسياسية مع طهران، وهناك سفارات متبادلة بين الجانبين، لكن مصر وهى ترتب علاقاتها الخارجية لا تعتمد على رؤية أحد، وإنما تعتمد فقط المصالح المصرية، لذلك لم تقبل العروض الإيرانية ولن تقبلها إلا حينما توفى إيران بالمتطلبات المصرية، وهى بالمناسبة ليست شروطًا، بل هى متطلبات تخص الأمن القومى العربى والمصرى، فإن أوفت بها إيران كان بها، أما إذا استمرت على سياستها الحالية فالموقف سيظل كما هو. لذلك تتملكنى الدهشة حينما أرى بعض الكتاب يتحدثون عن إيران ويرونها البديل للسعودية، وأن مصر يمكن أن تولى وجهتها ناحية طهران لكى تعاقب بها السعودية، وتناسوا هؤلاء أن علاقاتنا بالسعودية والخليج مهما شهدت من تباين لن تصل أبدًا إلى درجة القطيعة، لأنه ليس من مصلحة الطرفين ذلك، مصر تحتاج السعودية، كما أن السعودية بدون مصر القوية ستعانى كثيراً، فمصر لا تدير علاقاتها الخارجية بمنطق المكايدة، لأن الدول الكبرى لا تتعامل بهذا المنطق، فمصر كما لم تحزن ولم تغضب حينما طورت السعودية علاقاتها مع تركيا، رغم ما يعلمه الجميع بشـأن الأدوار التركية القذرة فى دعم الإرهاب فى مصر، فإنها أرادت أن تقول للجميع بأن مصر أكبر من فكرة المكايدة السياسية، وأتذكر أنه حينما اشتد الخلاف المصرى التركى اقترح البعض أن تصدر مصر اعترافًا رسميًا بمذابح الأرمن نكاية فى تركيا، لكن الموقف المصرى كان واضحًا. الأمر الآخر المهم أن طهران قوة إقليمية مهمة، لكن هذا لا ينفى أن عليها التزامات تجاه المنطقة، وعليها تطمين جيرانها الخليجيين، والكف عن الرسائل السياسية والعسكرية، التى نراها كل يوم صادرة من طهران لترهيب أشقائنا فى الخليج، فحينما تتوقف طهران عن تدخلاتها فى الشؤون الداخلية العربية وتلتزم بأمن المنطقة وقتها ستكون أبواب القاهرة مفتوحة للإيرانيين، لكن هذه الأبواب لن تفتح نكاية أو مكايدة فى أحد.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة