الأجيال القديمة كانت أحرص على الدولة وأكثر رحمة وتلاحم والتعامل بينهم يسوده المحبة والإخاء
أمر موجع، أن يتحول الحديث فى مصر حاليا، حول ارتفاع أسعار «النوتيلا وبسكويت اللوكر والمارشميلو والسويت كورن والنسكافيه جولد»، والمطالبة بخروج الناس فى ثورة عارمة، تحمل شعار ثورة الجياع يوم 11/11، ضد الدولة، ومن قبلها الحكومة التى تجرأت ورفعت أسعار هذه المنتجات، ومنعت استيراد بعضها، واعتبار ذلك كارثة قومية كبرى!!
ثورة الجياع نتيجة نقص«النوتيلا وبسكويت اللوكر والمارشميلو والسويت كورن والنسكافيه جولد»، والتى يطالب بها سكان العالم الافتراضى «فيس بوك وتويتر»، يؤكد بما لا يدع مجالا لأى شك أن هؤلاء ليسوا منا، ونحن لسنا منهم، هؤلاء لا يوجد لديهم أية موانع أن يدمروا بلادهم فى حالة نقص بسكويت «لوكر» أو اختفاء «المارشميلو».
الأمر أصبح جل خطير، وهناك متغيرات كارثية أحدثتها 25 يناير فى بنية المجتمع المصرى، جعلت من فئة تكفر بكل القيم الوطنية والأخلاقية، وتتمرد على الهوية بمفهومها الشامل، ودشنت لعملية تجريف واسعة وخطيرة لكل خصائص المجتمع المصرى الضاربة فى عمق التاريخ الإنسانى. ففى الوقت الذى بذل فيه المصريون منذ فجر التاريخ، جهودا جبارة لبناء دولة حضارية مزدهرة، تؤثر فى الإنسانية، وتثير إعجاب العالم، يأتى جيل 25 يناير ليدمر الأخضر واليابس، ويحاول تشويه الوجه الحضارى والثقافى لهذا الوطن، واستبداله بثقافة ضحلة وتافهة معبقة بالخيانة والمؤامرة.
الأجيال التى بنت الأهرامات، والمسلات، ودشنت لنماذج عجائب الدنيا، وحضارة فريدة يتغنى بها الأعداء قبل الأصدقاء، كانوا يأكلون «البتاو والبصارة والعدس» ولم يتضجروا أو يتأففوا، وكانت لديهم القناعة بأنهم يبنون وطنا، ويضعون مصلحته العليا فوق كل مصالحهم الشخصية.
جيل تحايل على أزمات اختفاء السلع المهمة والمحورية فى وقت الحروب والأزمات الاقتصادية، بابتكار وجبات الكشرى، والفول والطعمية، والبصارة، واستحدث طريقة عبقرية لشراء السكر والشاى المختفى، بكمية قليلة فى «قراطيس ورق»، ولجأ أحيانا لتحلية السكر بـ«الجلاب» وهو شكل من أشكال الابتكار المصرى فى الصعيد، حيث يصنع من القصب بعد عصره وتحويله إلى «عسل أسود» أقماع الجلاب، وأصبح العسل الأسود أكثر روعة عندهم من «النوتيلا».
الأجيال القديمة كانت أحرص على الدولة، وأكثر رحمة وتلاحم، وأن التعامل فيما بينهم كان يسودها المحبة والإخاء، يزداد وقت الأزمات، فعندما كانت تختفى السجائر، لا يمانع التاجر وصاحب «الكشك أو الدكان» أن يبيع «فرط» بالسيجارة الواحدة، والجاز بالليتر، وكان المصرى لا يتضجر من الوقوف فى طوابير طويلة أمام الجمعيات الاستهلاكية للحصول على «الفراخ والسمك» واللحمة، ويذهب إلى بيته فى حالة رضاء كامل، خالية من كل شوائب التأفف من الوضع فى وطنه.
كان المصرى فى مختلف العصور، يتسم بالانتماء الشديد لوطنه ومجتمعه، وكان يرى أن الهجرة من بلده بمثابة خروج السمك من الماء، مصيره الموت، بينما جيل ما بعد 25 يناير يشترى المجهول والموت هربا من بلاده، تحت شعارات بالية.
الدول تبنى بنكران أبنائها لذاتهم، والتضحية وبذل العرق والجهد، والتحمل والصبر على البلاء، وتحدى الصعاب وقهره، خذ نموذج كوريا الجنوبية التى عاش مواطنوها أكثر من عشر سنوات يحصل كل فرد منهم على عدد واحد «بولة خضار، وعدد واحد بولة أرز، يوميا»، والجميع ضحى وبذل الجهد، وتبرعوا بكل ما يملكونه للدولة، وأصبحت كوريا الآن نموذج يحتذى به كدولة متقدمة، حديثة، عصرية.
للأسف جيل «النوتيلا وبسكويت لوكر»، من المناضلين خلف الكيبورد، لا يعنيهم إلا الرضوخ لرغباتهم الأمارة بالسوء، لا يعنيهم استقرار أو تقدم وازدهار، وإقامة مشروعات تنموية كبرى، كل الذى يعنيهم فقط تناول النسكافيه جولد، والتسكع على المقاهى، وإطلاق شعورهم وربطه «بتوكة»، وارتداء البنطلونات المقطعة، والتيشرتات الضيقة، والغريبة، وحفظ أبيات من أشعار «نجيب سرور» الإباحية فقط.
ولك الله يا مصر...!!!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة