لو كنت صاحب قرار فى هذا البلد لما تركت المهندس جمال السيد، وكيل وزارة التموين السابق فى محافظة القليوبية، يجلس فى بيته بعد خروجه على المعاش، بعد أن انتهت خدمته بكل شرف منذ أسابيع قليلة.
هذا الرجل قضى عمره يحارب الفساد أينما كان، وكانت آخر معاركه كشفه لقضية فساد صوامع القمح فى محافظة القليوبية، ومنها انطلقت الشرارة إلى باقى محافظات الجمهورية، لتضعنا أمام واحدة من كبرى قضايا الفساد التى شهدتها مصر فى السنوات الأخيرة، وللتاريخ إذا كان هناك صاحب فضل أول فى هذه القضية سيكون هذا الرجل، ولأجل هذا كرمه اللواء رضا فرحات، محافظ القليوبية السابق، قبل أن ينتقل إلى الإسكندرية، ومعه ضباط آخرون تلاحموا جميعا فى الكشف عنها، ورفض المحافظ فى لقاء تليفزيونى معه أن ينسب الفضل له فيها بحكم موقعه، وأرجعه إلى «جمال السيد» ومباحث التموين.
هناك عشرات قضايا فساد سابقة على قضية «صوامع القمح» كشفها جمال السيد بالتعاون مع الأجهزة المعنية فى محافظة القليوبية، ولو طلب أى مسؤول سجلا بهذه القضايا سيجدها على الفور ليعرف منها قيمة هذا الرجل الذى كان يخوض حربا لا تقل فى خطرها عما يضعه الأعداء من خطط للفتك بهذا البلد.
سيجد هذا المسؤول أن هذه القضايا ترتبط معظمها بمحاولات تقديم رشاوى مالية كبيرة إلى جمال السيد كى يغمض عينيه، حتى يمر الفساد ويملأ الفاسدون كروشهم بالمال الحرام كما اعتادوا على ذلك، لكن جمال السيد كان يبادر على الفور بتقديم بلاغات إلى الأجهزة الأمنية عن هذه الحالات، التى تؤكد أننا أمام فساد مركب، لا يقتصر على اللعب فى السلع التى يتم تقديمها للناس، وإنما يقترن بمحاولات إفساد المسؤولين بالرشوة، مما يترتب عليه تمكين سوسة الفساد من مؤسسات الدولة والقائمين عليها.
أكتب عن جمال السيد، وقبل أيام تم استدعاؤه لسؤاله فى قضية كشفها منذ عامين ونصف العام، وتتعلق بقيام مدير مكتب تموين فى محافظة القليوبية بتسجيل بطاقات تموين وهمية يحصل منها على حصص يبيعها هو، وتشكلت لجنة من كل الجهات المعنية أثبتت الفساد وقدمت لجمال السيد الشكر، وتم سجن الفاسد ستة أشهر، الغريب أن يتم سؤاله بعد عامين ونصف العام، فهل يتحرك أحد فى الظلام للانتقام من هذا الرجل الشريف؟
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة