يدّعى المتربصون بالوطن والمفسدون الشرف كالباغية التى ترتدى حجاب العفة
فى زمن محنة الوطن تكثر الفتن وتعم المفاسد وتصبح الحقيقة حمالة أوجه لأصناف عدة من الباطل، فيقع الخلل فى تقدير الأمور، فيتحول المتاجرون بهموم الوطن والمؤلفة قلوبهم أبطالا فى مواجهة دافعى ضريبة الدم.. يدعى المفسدون الشرف كالباغية التى ترتدى حجاب العفة.. يتقزم الإنجاز ويصعب الإصلاح فى مواجهة ميراث من العفن فى كل مكان، فلن يصح الوطن ويذهب المرض إلا بثلاث اجتثاث جذور الفساد وتعرية المفسدين والإعراض عن المؤلفة قلوبهم، ويبقى دائما أبدا المجد لشهداء الوطن فى نفس المكان عبر كل الأزمان.
المتربصون يجيدون استثمار المواقف وخلق الأزمات، إن اقتضى الأمر ذلك فإن شهدت مصر تقاربا روسيا انفجرت الطائرة الروسية، وإن حدث تنامٍ فى التبادل الاقتصادى والعسكرى مع فرنسا سقطت الطائرة المصرية المقبلة من باريس لتتشرذم العلاقات، وإن تلقت مصر إعجابا إيطاليا فجرت القنصلية الإيطالية بالقاهرة ثم قتل ريجينى وروجت قضيته حتى تصبح قيد المزايدة الوطنية، وتصل لحد استخدامها فى المتاجرة الانتخابية فى الداخل الإيطالى.
التشويش على العقول وتبديل الحقائق والدفع نحو الميوعة الوطنية وتغذية التطرف الفكرى، وإشعال الصراعات الدينية والمذهبية، كل ذلك من صنائع أجهزة استخبارات قوى الهيمنة العالمية والإقليمية، حيث يقدم الاستعمار الجديد المؤامرة مغلفة بشعارات الحرية والديمقراطية فتتحول لمطلب ملح وحلم يداعب الشعوب المستهدف تقسيم بلدانها، فالاستعمار القديم قد قسم الوطن العربى إلى دول كبيرة ودويلات، حفاظا على حالة تناحر ممتدة تضمن وجودًا غربيًا مستمرًا على مدى عقود متتابعة فى منطقة الشرق الأوسط.
وفى ظل ما يحاك بالإقليم وما يراق فيه من بحور دماء يبزغ صراع عقيم بين دوائر النخب والإعلام والمهتمين بالشأن العام فى مصر حول وجود مؤامرة من عدمه، فيذهب المعادون لثورة 30 يونيو إلى نفى وجود أى مؤامرة فمن وجهة نظرهم أنها مجرد ادعاءات الغرض، منها إعادة إنتاج نظام ما قبل 25 يناير وإرساء دولة ديكتاتورية بوليسية، وتسبيب أى فشل فى الأداء العام بوجود مؤامرة داعمين موقفهم بالشكل البذىء وغير الأخلاقى لبعض المتناولين لحقائق المؤامرة وفى طريقة عرض بعضهم التى تبعث على السخرية، وبالتالى سهولة التتفيه من الأمر من ناكرى المؤامرة، فى حين أن المعادين لثورة 25 يناير، بشكل عام، دون تدارك عن عمد أو غفلة أنها ثورة سلبها الآخرون لينفذوا مرادهم فى تملك البلاد والعباد، وهو ما أسقطناه فى ثورة التصحيح فى 30 يونيو، حيث إن أبواقهم قد انصرفت، واهتمامهم قد أنصب على أن ينالوا بالتشويه من الحراك الشعبى فى 25 يناير فيتناولون المؤامرة التى تدور الآن، التى هى حقيقة وواقع، بتقديمها للرأى العام، فى إطار التركيز على النيل والانتقام من ثورة يناير.
مصر كانت ومازالت فى قلب مرمى نيران هذه المخططات، وهو ما تؤكده تبعات سقوط الطائرة الروسية بسيناء والطائرة المصرية المقبلة من باريس ومقتل ريجينى ومواقف دول الغرب التى تفضح المؤامرة دون أدنى مواربة، فمازالت العين على سيناء كوطن بديل للفلسطينيين لحل أزمات الدولة الصهيونية، فيتم الدفع نحو نشر قوات دولية لاحتلال سيناء بالذريعة المعتادة، وهى محاربة الإرهاب الممول والمدعوم من الغرب بجانب إشغال الجيش المصرى، وصرفه بعيدًا عن صفقات التسليح التى باتت تزعج الصهاينة، إلى حد أنهم وصفوها بأنها تمثل خطرًا على وجود دولة إسرائيل، فخطر منظمات المجتمع المدنى المشبوهة مازال داهمًا وقائمًا فى تخريب العقول وفق خطة مخابراتية فى إضعاف الجبهة الداخلية، وتغذية الانقسام المجتمعى فى الإيهام بأن أى حديث عن مؤامرة فهى مؤامرة من أجل إرساء حكم ديكتاتورى، ليتحول البعض دون إدراك إلى وقود يغذى المؤامرة ويقويها بإنكار وجودها والسخرية عند ذكرها.
ورغم ما سبق يستوجب عدم اتخاذ المؤامرة مبررًا للتعسف فى المساس بالحقوق والحريات من مُعادى ثورة يناير بجانب الكف عن إنكار المؤامرة إلى الحد الذى يعينها ويقويها من مُعادى ثورة يونيو، وأن يسعى كل أطياف المجتمع نحو إرساء السلام الاجتماعى بعيدًا عن بؤر التطرف الفكرى، لتقوية وتدعيم الجبهة الداخلية فهى حائط الصد المنيع فى مواجهة أى مؤامرة مهما كان حجمها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة