أغراها تباين المواقف بين القاهرة والرياض، فبادرت بالتصريحات الإيجابية تجاه الإدارة المصرية، والتى تتزايد ـ كما ونوعاً ـ على مدار الأيام القليلة الماضية.. تتأمل إيران محيطها وحدودها وتدرك أن ضمان استقرارها لا يتحقق فقط بهدم الاستقرار فى دول الجوار، وأنها فى حاجة إلى صداقات عابرة للحدود ، أو ضم دولا جديدة لقائمة "العلاقات السوية" على أقل تقدير.
وبرغم إشارات الغزل، لا يزال غالبية السائرون على طريق "طهران ـ القاهرة" ممثلين عن إيران "شبه الرسمية" ممن يحجزون مقعدا تحت قبة البرلمان، أو أولئك المنتمين لمراكز الأبحاث والدراسات، أو قادة الرأى العام. فمنذ تباين مواقف مصر والمملكة فيما يتعلق بالملف السورى، تزايدت وتيرة التصريحات الإيجابية خاصة فى أعقاب تعيين قائما جديدا بالأعمال فى مكتب رعاية المصالح المصرية فى طهران السفير ياسر عثمان، والذى اجتمع فور توليه مهامه سبتمبر الماضى بمساعد رئيس البرلمان الإيرانى، ومساعد وزير الخارجية السابق حسين أمير عبد اللهيان.
ومن بين عبارات الغزل، الصادرة عن معسكر إيران "شبه الرسمية"، ما قاله "عبداللهيان"، عندما أكد أن التقارب بين القاهرة وطهران من شأنه "معالجة كافة مشكلات العالم الإسلامى"، مشيرا إلى أن بلاده "لمست تقاربا فى وجهات النظر مع مصر" فيما يتعلق بالشأن السورى، وطرق حل الأزمة التى دخلت عامها الخامس.
ويشير العديد من المراقبين والمحللين الإيرانيين إلى أن وجود حليف مشترك مثل روسيا بين القاهرة وطهران، من شأنه دفع العلاقات بين البلدين إلى مراحل متقدمة، فيما قال عضو لجنة الأمن القومى بالبرلمان الإيرانى، نانواكنارى فى تصريحات له : "حال رغبت مصر، سنعيد فتح السفارات".
وخلال السنوات الماضية عبر عددا من الساسة الإيرانيين مرارا عن رغبتهم في الانفتاح على مصر، فى وقت استعادت فيه طهران علاقاتها بالغرب، بعد صعود الرئيس المعتدل حسن روحانى، الذى ينهى عامه الأخير فى الولاية الأولى من حكمه، وكانت إحدى الوعود التى قطعها على نفسه أمام الإيرانيين فى 2013 هى إقامة علاقات سوية مع دول العالم، وهو ما حققه بالفعل وظهر واضحا فيما أبداه من مرونة قبل وأثناء توقيع الاتفاق النووى التاريخى فى يوليو 2015، مطمأنا الغرب على نشاطات طهران النووية.
وفيما تتوالى دعوات التقارب من إيران "شبه الرسمية"، تظل المؤسسات الإيرانية الحاكمة، وفى مقدمتها المرشد الأعلى على خامنئى ومستشاريه، ومؤسسة الرئاسة، والحكومة الإيرانية تراقب الموقف فى صمت، ففى الوقت الذى أعرب فيه ممثلين عن دوائر سياسية وممثلين عن النخب الإيرانية عن استعدادها توفير احتياجات مصر من البترول ومشتقاته إلا أن إيران "الرسمية" ما تزال تراقب الموقف فى صمت.
ويرجح مراقبون إقدام الرئيس الإيرانى حسن روحانى على التحرك الرسمى فى اتجاه التقارب مع مصر، مستندين إلى نجاح كافة رؤساء إيران الإصلاحيين منذ اندلاع الثورة عام 1979 فى إقامة علاقات سوية وطبيعية مع دول المنطقة خاصة مصر، ومن بينهم هاشمى أكبر رفسنجانى ، ومحمد خاتمى الذى تمتع بعلاقات قوية مع مصر، وجمعته بالرئيس الأسبق حسنى مبارك عدة لقاءات، ما دفع الحكومة المصرية فى ذلك الحين إلى تدشين جسرا جويا من المساعدات الإنسانية فى أعقاب زلزال "بام" الذى قتل نحو 26 ألف إيرانيا.
ويرى المراقبون أن استمرار مصر على موقفها فى الملف السورى، ربما يتبعه المزيد من الإشارات الإيجابية الصادرة عن طهران تجاه القاهرة ، وقد ينتقل الأمر إلى مواقف معلنة أو تصريحات صادرة عن مؤسسات وجهات رسمية.. فهل يكون ملف العلاقات مع مصر يكون هو الأبرز فى الولاية الرئاسية الثانية لحسن روحانى، حال فوزه فى الانتخابات المرتقبة، أم سيقدم على مثل هذه الخطوة فى الأشهر الأخيرة فى ولايته الأولى. وهل مستعد روحانى إبداء مرونة حقيقية مع مصر خلال سنوات ولايته الثانية؟ هل يصدر إشارات بطمأنتها على الأمن القومى العربى فى الخليج والبحر الأحمر وباب المندب والنقاط الأمنية الخلافية بين البلدين؟.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة