هو واحد من أهم القصور التاريخية فى مصر، تمشى فى شوارع «الضاهر»، وفجأة تجده أمامك فتشعر أن العالم اختلف، رشيق، فخم، ملهم، قصر يقول لك ما لا يقوله ألف كتاب، شاهد على شموخ عصر القوة بمصر «المحروسة»، على زمن كانت العمارة فى مصر فنًا حقيقيًا، يريح الساكنين ويبهج الناظرين، فن يبذل عشاقه كل ما فى وسعهم ليطورونه ويحدثونه، فن يداعب الخيال ويستفزه، فنرى المهندسىن يتبارون فى مسابقة الجمال، وكل واحد يدلى بدلوه، وكل واحد يجتهد فى إبراز عبقريته، هذا القصر العظيم الذى بنى منذ 130 عامًا، نال منه الحريق اليوم، فاشتعل «البدروم» بماس كهربائى، ولولا العناية الإلهية لصار هذا القصر الأجمل فى القاهرة فى عداد المفقودات.
لا أريد هنا أن ألقى باللوم على وزارة الآثار التى ضمت القصر إلى قوائمها منذ 30 عامًا، ولا أريد أيضًا أن أهيل التراب على الدكتور «خالد العنانى» الذى قطع الكثير من الخطوات التحديثية التطويرية فى الوزارة، لكنى أيضًا لا أستطيع أن أبتلع هذا الإهمال المبالغ فيه تجاه هذا الأثر النادر، والذى امتد عبر ثلاثة عقود ليفقد القصر يومًا بعد يوم جزءًا من بهائه وجزءًا من مكوناته، حيث اختفت فى عصور سابقة العديد من التماثيل الأثرية المهمة، كما اختفت أجزاء كبيرة من نقوش القصر وعناصره الزخرفية، فلا نحن استفدنا من هذا القصر التاريخى المبهر، ولا حتى تركناه على حاله، وبين حين وآخر تتذكر الوزارة هذا القصر فيصرح المسؤولون بدراسة تحويله إلى متحف، ثم يأتى تصريح آخر يقول إنه سيتم تحويله إلى مركز ثقافى، دون وجود خطة حقيقية أو إمكانيات بشرية أو مادية للمتحف أو للمركز، لنظل فى حالة «طق الحنك» هذه حتى نفاجأ بالقصر بين أنياب النيران.
يقول السادة مسؤولو الآثار «إن مصر «اكتفت» من المتاحف ولا تحتاج إلى متاحف إضافية، ولهذا سنحول القصر إلى مركز ثقافى»، وفى الحقيقة فإن هذا التصريح يدل على محدودية تفكير السادة القائمين على الآثار فى مصر بشكل كبير، فعيب أن ينطق أحد مسؤولينا بمثل هذا الكلام، فمصر تحتاج إلى عشرات المتاحف، وليس إلى متحف واحد، وعلى الأقل يصلح هذا القصر لعمل متحف لمصر «الخديوية» التى كانت تضاهى باريس ولندن فى «أبهتها» وجمالها، ويجمع فيها تراث مصر المخفى فى البيوت والضائع فى دور المزادات، والمبدد فى أيدى الزمن واللصوص، ولو أراد السيد وزير الآثار قائمة بعشرة متاحف مقترحة لأمددته بها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة