الوزير أيا كانت مؤهلاته وخلفيته المهنية لن يصلح منظومة بيروقراطية كبيرة
بعد أزمة بث حديث قديم للرئيس السيسى، طفت على السطح دعوة غريبة لعودة منصب وزير الإعلام، وأقول غريبة لأنها تفترض أن وجود الوزير سيضمن الارتقاء بأداء ماسبيرو وإصلاح حاله، وهو افتراض غير صحيح، ولا يستند لمنطق أو مبررات مقبولة.
الوزير ليس هو الحل، لأن الوزير أيا كانت مؤهلاته وخلفيته المهنية لن يصلح منظومة بيروقراطية كبيرة، تعانى من مشكلات إدارية وفنية وإعلامية ومالية هائلة موروثة من سنوات طويلة، والمفارقة أن هذه المشكلات تضخمت بعد ثورة يناير، حيث أهملت الدولة ماسبيرو، وتخلت عنه تقريبا، وبالتالى، وبحسب نظرية ملأ الفراغ، سارعت القنوات الخاصة باحتلال الحيز الذى كان يشغله ماسبيرو.
استعادة دور ومكانة ماسبيرو مهمة صعبة للغاية، وتتطلب رؤية وأفكارا غير تقليدية ومن خارج الصندوق، وأوضاعا مؤسسية وتنظيمية جديدة ومبتكرة، بينما دعوة البعض إلى عودة وزير الإعلام هى فكرة قديمة لن تنفع ولن تصلح ماسبيرو، فقد تغيرت أوضاع الإعلام المصرى وظهرت عشرات الفضائيات والمواقع الإخبارية وبعضها يبث من خارج مصر، كما أدت تكنولوجيا الاتصال ووسائل التواصل الاجتماعى إلى تراجع قدرة الدولة، وطبعا وزير الإعلام، على التوجيه أو السيطرة أو الرقابة، وبالتالى نحن فى حاجة إلى تشريعات وقوانين ومؤسسات تنظيمية وهياكل رقابية قبل أن نحتاج إلى وزير أو وزارة، وأتصور أن الدستور قد وضع تصورا معقولا لإنشاء ثلاث هيئات تنظيمية وإصدار قوانين وتشريعات تعيد هيكلة وتنظيم الإعلام المصرى الخاص والعام، كما أن هناك تصورات وأفكارا مدروسة بشأن إعادة هيكلة ماسبيرو وتحويله إلى إعلام للخدمة العامة، مستقل عن الحكومة، ويعبر بشفافية وتوازن عن كل أطياف المجتمع، وقد كتبت أنا وإعلاميون وخبراء فى ذلك كثيرا، وآخر مقال لى كان الأسبوع الماضى فى نفس هذه الزاوية، لكن لا أحد يقرأ، وإذا قرأ لا يستجيب ولا يتحرك.. لماذا؟
الإجابة ببساطة، لأنه لا توجد رؤية للإعلام ودوره فى النظام السياسى الحالى، ومعروف أن الرؤية هى التى تحدد السياسات والبرامج، لذلك لن أستغرب إذا أعيدت وزارة الإعلام واختير وزير جديد للإعلام!! القصد أن كل شىء ممكن أو غير ممكن فى ظل غياب الرؤية والسياسات، بالرغم من أن الدستور طرح رؤية معقولة وخارطة طريق لإصلاح الإعلام. لكن الدستور لم ينص صراحة على عدم جواز تعيين وزير إعلام ووزارة للإعلام، لكن التنظيمات التى ينص الدستور على وجودها وما لها من صلاحيات لا تترك لوزير الإعلام أى صلاحيات مهمة، أى أن الدستور يمنع وجود وزارة للإعلام ولكن بطريقه غير مباشرة أو من دون نص صريح، وبالتالى لا أعرف لماذا يروج البعض أن وزير الإعلام هو الحل. وكيف سننشئ المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، وهيئة للصحافة، وهيئة للإذاعة والتليفزيون «مواد الدستور 211، 212، 213» إلى جانب وجود وزير ووزارة للإعلام ومجلس أمناء لاتحاد الإذاعة والتليفزيون فى دولة تعانى من أزمة اقتصادية وتحاول ضغط النفقات!!
المروجون لفكرة عودة الوزير كثيرون، وبعضهم كان مع إلغاء وزارة الإعلام، ولكنهم غيروا رأيهم لأسباب مختلفة، ثلاثة منهم، كما يقول بعض الظرفاء، يتخيل أحدهم أنه سيأتى وزيرا للإعلام!! وبغض النظر عن الأسباب أو المصالح التى تحرك مروجى فكرة عودة الوزير والوزارة، أقول إن وجود وزير للإعلام ووزارة هى فكرة من الماضى، ومعظم دول العالم الديمقراطية أو التى تسعى لإحداث تحول ديمقراطى ألغت وزارة الإعلام.
وقناعتى أنه لا داعى لعودة وزير الإعلام، لأنها ستفشل وستضيف للدولة أعباء مالية وسياسية نحن فى غنى عنها. لأن الدور الرئيسى لوزارة الإعلام منذ تأسيسها فى مصر وحتى إلغائها كان هو الرقابة والمنع أو المنح، إضافة إلى إدارة وسائل الإعلام التى تمتلكها الدولة ويوظفها النظام السياسى لتحقيق أهداف دعائية أكثر منها إعلامية. هكذا انحصر دور وزارة الإعلام فى الترويج لسياسات الرئيس والحكومة وتبريرها والدفاع عنها، أو ما يعرف بمنح النظام السياسى الشرعية وتصنيع قبول اجتماعى زائف، فهل نحن فى حاجة إلى هذا الدور سيئ السمعة من جديد؟
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة