فوجئت بمكالمة من أحد وزراء المجموعة الاقتصادية أيام الرئيس مبارك يسألنى بانزعاج: حضرتك تعرفنى..؟!
قلت له: على المستوى الشخصى لم أتشرف بمعرفة معاليك؛ لكننى بالتأكيد أعرفك كوزير بحكم عملى.. فقال لى بانفعال: أمال بتهاجمنى ليه ليل ونهار..؟!
قلت له: يا سيدى هذا ليس هجومًا لكنه انتقاد لأداء معاليك كوزير ولتصريحاتك المثيرة؛ أما كشخص فلك منى كل التقدير والاحترام.
قال لى ساخرًا: وما الذى لا يعجبك من تصريحاتى..؟
قلت له: تصريحك اللى بتؤكد فيه إن المصرى ممكن يعيش بجنيه ونص فى اليوم.. وأخذت أعدد له تصريحاته المثيرة واحدًا تلو الأخر وهو يتململ على الطرف الآخر.. وطبعًا لم يعجبه كلامى وأنهى المكالمة وهو "يبرطم".. على طريقة "البرنس عيلاء" مع ابن عبد الواحد الجناينى فى فيلم "رد قلبى"...
ذلك الوزير معذور طبعًا فقد تصور أنه من طينة غير طينة كل البشر وأنه فوق النقد، وأن كل ما يتفوه به لابد أن تبرزه الصحف فى صفحاتها الأولى باعتباره فتحًا مبينًا.. على أساس إن "شخبطة" معاليه تخطيط لمستقبل مصر المحروسة، وأن تنهدات معاليه أوامر..إلى آخر ذلك من وهم النفخة الكدابة الذى يعيشه بعض المسئولين للأسف..!
ومن هذا المنطلق فالوزير، أى وزير بلا استثناء، يتعامل مع الصحافة وكأنها وسيلة من وسائل الوجاهة والتلميع، زيها زى الورنيش أبو خمسة جنيه بالضبط، وأن الصحفيين مجرد وردة فى عروة جاكتة معاليه.. يتباهى بهم فى الرايحة والجاية.. زى ما بيتباهى بموكب المرسيدس أم عيون وطقم الحراسة فى الشيروكى الذى يصاحبه فى كل مكان..!!
تذكرت كل هذا وأنا أتابع مجموعة الفرمانات التى أصدرها المتحدث الرسمى باسم وزارة التموين؛ والذى منع الصحفيين من التواجد فى الوزارة؛ وشدد عليهم بألا يكتبوا أكثر من النشرة الصحفية التى يرسلها لهم عن تصريحات الوزير وتحركاته؛ وأن أى صحفى فيهم عايز يسأل عن حاجة يقدمها مكتوبة وسيرد عليها "سيادته" كتابة بعد ثلاثة أيام..غير كده مفيش أى تعامل مع مسئولى الوزارة..!!
وبداية أطالب بالتحقيق مع هذا الرجل، الذى لا أعرفه، لأنه ينتحل صفة غير صفته فهو يقدم نفسه بصفته "متحدثا" رسميا فى حين أن فرماناته تؤكد أنه "صامت" رسمى.. أو متكتم رسمى .
الأمر الآخر أن سعادته يتقمص دور "البرنس عيلاء" مع الصحفيين أولاد عبد الواحد الجناينى.. وسؤالى لحضرته هو: مش عايز الصحفيين يتواجدون فى الوزارة ليه هو فيه حاجة، لا سمح الله، عايزينها تتعمل كتيمى من غير ما حد يشم خبر؛ وللا علشان الصحفيين ريحتهم وحشة وللا لابسين مقطع لامؤاخذة..كلمنى فهمنى..؟!
أعتقد إن كل هذه الفرمانات الغبية صدرت من وراء ظهر الوزير؛ الذى استبشرنا جميعا بقدومه خيرا للقضاء على الفساد الممنهج الذى عانينا ومازلنا نعانى منه حتى الآن؛ وفساد منظومة توريد القمح ليس ببعيد.
فالوزير الذى حقق إنجازات ملموسة لكل الفقراء ومحدودى الدخل عندما كان رئيسًا لجهاز الخدمة الوطنية، قبل توليه مسئولية الوزارة؛ نعلق عليه جميعًا آمالا عريضة فى أن يحقق نفس النجاح وأكثر من خلال موقعه كوزير تموين، وهذا لن يتحقق بالتكتم على ما يفعله الوزير أو بحجب كل ما يقوم به عن الصحافة والرأى العام؛ لكنه يتحقق بالشفافية وأن تكون هناك أكثر من عين تراقب ما يحدث فى الوزارة حتى يعرف الوزير ما يدور فى وزارته أولاً بأول.. وهذا هو دور الصحافة الأصيل.
إننى أرجو من معالى وزير التموين أن يلقن "المتكتم الرسمى لوزارة التموين درسًا فى أصول التعامل مع وسائل الإعلام المختلفة، وأن يشدد عليه أن الصحفيين ليسوا فازة فى صالون استقبال الوزير كما أنهم بالتأكيد ليسوا مجرد وردة فى عروة جاكتات الوزراء والمسئولين ..!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة