فى طفولتى كنت مغرماً بقراءة قصص اللص الظريف (أرسين لوبين) تلك الشخصية التى رسمها لنا العبقرى الفرنسى ( موريس لوبلان )، كنت التهم كل إصدارات أورسين لوبين، كنت أعيش معه الأحداث والمغامرات، كان أطفال الحى يتبادلون إصدارات اورسين لوبين التى نقلها للعربية عمر أبو النصر ببيروت.
يتميز أرسين لوبين بالنبل والشرف والظرف، لص أنيق، باحث عن الحقيقة، يحمل هموم الناس، يفكر فى مشاكلهم وقضاياهم، شخصية أصبحت عالمية، تجوب الاقطار والأمصار
أتذكر بعض أعماله الرائعة
أرسين لوبين يوليس سرى
الماسة الزقاء
أرسين لوبين فى السجن
المعركة الأخيرة
والقائمة طويلة.
لم أصدق أن القاه.....أو أكون من ضحاياه....!!
من هنا تبدأ الحكاية مع اللص الظريف أو الظريف الشريف....!!
قررت بلدية باريس الحد من التلوث، وناشدت الشعب التخلى عن السيارات وحددت يوماً لذلك، حتى تقلل نسبة التلوث
....مبادرة طيبة يحترمها الشعب، وخلت شوارع باريس من السيارات والعادم الذى تخلفه
الكل إتجه نحو محطات مترو الأنفاق، وبالمناسبة لست أدرى كيف حفرت باريس أحشائها لتتحول إلى أمعاء دقيقة وأخرى غليظة تنساب فيها قطارات المترو برشاقة وعراقة ؟
مترو الأنفاق فى باريس عالم آخر ترى فيه أحدث صيحات الموضة العالمية..عروض مجانية تتحرك أمامك من دم ولحم وأناقة وعراقة، فضلاً عن العطور الباريسية التى تداعب أنفك مجاناً
الكل يجلس فى صمت.. اما يقرأ كتاباً أو يسمع موسيقاه الخاصة عبر سماعات الأذن
انتقلت إلى عدوى القراءة.. قرأت أمهات الكتب فى التاريخ والأدب والفلسفة والفن حتى الأحاجى فى مترو الأنفاق، أفضل أن أترك سيارتى وأستقل المترو للوصول فى مواعيدى بالدقيقة والثانية
فى مترو الأنفاق تعرفت على أصدقاء جدد، حينما كنت طالباً.....وأيضاً فى حياتى العملية من كل الجنسيات واللغات واللهجات
المترو....أشبه بالأمم المتحدة....من حولك تحيطك العضويات من كل صنف ولون...ديمقراطية عجيبة تجمعها أدب وابتسامة
المهم بدون إطالة ركبت مترو 6 من ميدان شارل ديجول وسط الشانزليزية متجهاً إلى منطقة ناسيون غرب باريس، كان المترو مزدحماً شديد الازدحام أثر عطل فنى....شىء طارئ وعادى
المهم وصلت إلى ناسيون وحمدت الله، وخارج المترو وبدأت أعيد هندامى من الزحمة.....وتحسست حافظة نقودى.....تعيش أنت....طارت المحفظة فيها فلوسى وبطاقتى ورخصة السيارة ورخصة القيادة وبوليصة التأمين وبطاقة البنك..... والعديد من البطاقات والأوراق، كارثة.....ذهبت إلى قسم الشرطة وفى الحال أوقفت البطاقة البنكية وحررتُ محضراً بالواقعة للبدء فى استخراج بدل فاقد للآوراق والمستندات والبطاقات المفقودة
حمدت الله أن هاتفى المحمول مازال يتنفس الصعداء فى الجيب الداخلى للسترة التى كنت أرتديها
خرجت وأنا ألعن يوم التلوث الذى حرمنى من سيارتى ومن حافظة نقودى وأوراقى بل كل كيانى
فى أوروبا أنت مجموعة من الأوراق لو ضاعت....ضعت فى شربة ماء
وفجأة رنّ هاتفى المحمول داخل سرداب من سراديب سترتى، رقم شخصى غير معلن، المهم رديت....سمعت صوتاً قال لى بأناقة فرنسية: مسيو كامل أسعد الله صباحك
قلت له: ومن أين تأتى السعادة...؟
قال لى: لا تحزن على أوراقك....وبطاقاتك....أعلم إنه شئ مؤلم استخراج بدل فاقد لتلك الأوراق
قلت له: من فضلك...من أنت....وكيف علمت بسرقة حافظتى....؟
ضحك ضحكة عالية وقال لى:
أنا اللص، وجدتُ بطاقة فيها أسمك ومهنتك ورقم هاتفك، فقررت أن أخفف عليك الصدمة، لقد
نشلتُ محفظتك فى المترو....فقط نظفتها من المال....لأنى كنت فى حاجة إليه
إسمع: سوف أقدم لك خدمة....مجاناً....سوف أعيد لك بطاقاتك وأوراقك...., أعلم أنك بلغت عن بطاقة البنك وأوقفت استخدامها
كما أنى لست بالغبى الذى يرتكب حماقة بتلك البطاقة التى ترشد على الفور الشرطة عني
قلت له: إذن كيف تعيد لى أوراقى وبطاقاتى، هل سنتقابل فى مقهى أو فى مطعم ونحتفل بتلك المناسبة السعيدة ؟
قال لى: لا
ولكن سوف أضعها فى صندوق بريد مكتب المفقودات مع بطاقة التعريف الخاصة بك وبها رقم هاتفك المحمول
وانتهت المحادثة بيننا
وفى صباح اليوم التالى، تلقيتُ اتصالاً من مكتب المفقودات يُعلن عن وجود أوراق وبطاقات خاصة بى فُقدت منى وتم العثور عليه بواسطة فاعل خير الذى وضعها فى صندوق بريد المفقودات، وعلى الفور اتجهت بجواز سفرى الذى ساعدنى على استرداد حافظة نقودى كاملة ماعدا النقود التى طارت حيث لارجعة
وفى الحافظة وجدت بطاقة ملونة تحمل باقة من الزهور الجميلة طُبعت فى أسفلها جملة مهذبة وهى
( الرجاء قبول اعتذارى )
فى هذا اليوم تخلصت باريس من التلوث، وتخلّصتْ حافظتى من نقودى
السؤال المطروح هل اللص فى بلادنا يتمتع بهذا الوعى والحس وتلك الثقافة والعراقة والأناقة...مجرد سؤال يا أولاد الحلال ؟
أجمل ما فى القصة اتصاله بى سنوياً فى عيد ميلادى ليقدم لى التهانى من تليفون خاص لا يظهر رقمه.
ألمْ اقل لكم أنه أظرف لص فى العالم....وفاعل خير.....!!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة