منذ الحديث عن حدوث أزمة مصرية سعودية فى أعقاب التصويت المصرى على مشروع قراراى فرنسا وروسيا بمجلس الأمن لحل الأزمة السورية، لم نسمع أى تعليق سعودى رسمى على ما يحدث سواء بالنفى أو التأكيد، والتصريح الوحيد المنسوب لمسؤول سعودى هو ما قاله عبدالله المعلمى، مندوب المملكة العربية السعودية لدى الأمم المتحدة الذى قال فيه إن تصويت مندوب مصر فى مجلس الأمن وتأييد مشروع القرار الروسى يعتبر أمرا مؤلما، وهو التصريح الذى فتح الباب بمصراعيه أمام كتاب سعوديين ليشنوا حملة شعواء على مصر.
مندوب المملكة قال نصاً: «كان من المؤلم أن يكون الموقف السنغالى والماليزى أقرب إلى الموقف التوافقى العربى من موقف المندوب العربى، هذا بطبيعة الحال كان مؤلما ولكن أعتقد أن السؤال يوجه إلى مندوب مصر»، ومن بعد هذا التصريح بدأت التلاسنات والحرب الإعلامية فى البلدين، وأن كانت فى الرياض أشد وطأة، كون أن هناك صحفيين سلكوا منهجا غريبا فى التعامل مع مصر اعتمد أسلوب معايرة مصر بأنها تلقت مساعدات اقتصادية سعودية فى أعقاب ثورة 30 يونيو، وفى مقابل هذا الانفلات الإعلامى السعودى لم نسمع مسؤولاً واحدًا فى المملكة يقول شيئًا عن الأزمة، حتى إن سفير السعودية فى القاهرة السفير أحمد قطان غادر الرياض لثلاثة أيام ثم عاد ولم يقل شيئًا، مما أكد لكثيرين أن الرياض تبدو وكأنها راضية عن الحملة الإعلامية التى تمارسها صحف وقنوات مواقع سعودية ضد مصر.
حتى إن المملكة لم تتحدث بشكل واضح عن التقارير التى انتشرت بأن قرار شركة أرامكو بتأجيل ضخ كمية البترول المتفق عليها «تجاريًا» بين مصر والسعودية لن تقتصر فقط على شهر أكتوبر، وإنما ربما تمتد إلى أبعد من ذلك، بسبب الخلاف السياسى بين البلدين حول عدد من القضايا وعلى رأسها بالطبع الأزمة السورية وموقف كل من الرياض والقاهرة تجاهها.
فى مقابل الصمت السعودى الرسمى أعلنت مصر بشكل واضح أن علاقاتها مع المملكة مستمرة وأنه لا خلافات معها، أو كما قال الرئيس عبد الفتاح السيسى فى حواره مع رؤساء تحرير الصحف القومية «لا نريد للأمور أن تأخذ أكبر من حجمها فالعلاقة الأخوية والاستراتيجية بين مصر والسعودية لا تتأثر بأى شىء.. يجب عدم السماح بالإساءة إلى هذه العلاقات أو إثارة حالة من الشقاق فلا هذه العلاقة الاستراتيجية والتاريخية، وللأخوة فى السعودية منا كل الشكر والتقدير على ما قدموه لمصر خلال الفترة الماضية».
هذا الصمت السعودى ربما يكون له ما يبرره بأن المسؤولين فى المملكة لا يريدون أن يعطوا للموضوع أكثر من حجمه، وأنهم مهما ردوا فإن التقارير الصحفية ستستمر تتحدث عن خلافات، لكن من وجهة نظرى فإن هذا التبرير غير مقبول، خاصة أن الوضع ينبئ بحدوث أزمة بالفعل، وأن الأخوة فى المملكة راضيون عن الهجمات الإعلامية التى تستهدف مصر، ويحاولون قبل الحديث عن وجود توافقات ضمان أن القاهرة ستسير مع الرياض فى الطريق الذى تختاره تجاه أزمات المنطقة وعلى رأسها اليمن وسوريا، وهو أمر بالطبع لن تقبل به مصر، ليس لأن القيادة المصرية لا تريد أن يحدث توافق عربى حول الأزمات العربية، لكن لأن الرؤية المصرية تختلف تماماً عن السعودية، وأن للقاهرة أسس ومبادئ تتعلق بمتطلبات الأمن القومى العربى، لذلك فإنها حينما تتحدث عن حلول سياسية للأزمتين السورية واليمنية فإنها لا تبحث عن إيجاد خلاف مع المملكة بقدر بحثها عن آلية للحفاظ على الأمن القومى العربى، وهو ما يجب أن تعرفه المملكة التى عليها الآن أن تحدد موقفها من العلاقة مع مصر، وإلا يظل مسؤولوها على سياسة الصمت المريب التى تتيح للكثيرين الفرصة لكى يكون لهم دور فى هدم وتخريب علاقة بين بلدين من المفترض أن يكون بينهما تحالف استراتيجى لخدمة مصالح المنطقة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة