ماذا تعمل الحكومة بالضبط؟ ما رؤيتها للمرحلة الراهنة ؟ وكيف تسعى للخروج من الأزمة الاقتصادية المستحكمة؟ كيف تخطط لحل الملفات المزمنة التى تعوق التنمية وتستنزف الاحتياطى النقدى وتهدر الموارد؟ وهل الحكومة وظيفتها فرض مزيد من الضرائب فقط؟ وهل دورها الاقتراض حتى تسد الأفواه الجائعة بسلع مدعومة؟ أم أن دورها ومهمتها تطبيق رؤيتها لتغيير الواقع إيجابا وإدارة الأوضاع فى البلاد حتى تتحول من الاستيراد السفيه إلى الإنتاج ومن الاقتراض إلى تنمية ثروات الوطن، ومن انتظار الفرج من الموارد الطبيعية كمن ينتظر الأمطار من السماء حتى يزرع، إلى ابتكار أفكار ووسائل وعوامل إنتاج تدفع البلاد على طريق التنمية؟
تقرير كارثى لوزارة الزراعة كشف أن الحكومة الموقرة تستورد أكثر من ثمانية ملايين طن ذرة صفراء بقيمة مليار وسبعمائة مليون دولار سنويا ! هل يعقل ذلك ؟ حتى الذرة الصفراء ؟ هل يستهلك المواطنون فيشار بمليار وسبعمائة مليون دولار سنويا؟ وهل يعجز الفلاحون عن إطعام مواشيهم بما يزرعونه؟
رحم الله خبراء الزراعة المصريين الذين وضعوا خططا ومواسم للمحاصيل الاستراتيجية وعملوا على دعمها لسنوات وفى مقدمتها القمح والقطن والذرة ،فمحصول القطن الذى أهدرنا زراعته بعدما كنا ننفرد بالنوع طويل التيلة منه، كان أحد موارد الدخل الأساسية للبلاد، كما كانت "مصانع الكُسب" تصنع من مخلفاته ومن بذوره زيتا وعلفا للحيوانات، فلماذا تترك الحكومة المزارعين نهبا للعشوائية والغلاء والسياسات الجائرة؟
لماذا لا تفكر الحكومة والمجموعة الاقتصادية تحديدا فى سياسات تدعم المزارعين بحيث نتحول من دولة مستوردة للمحاصيل الأساسية إلى دولة منتجة لما تستهلك أو لمعظم ما تستهلك، وبدلا من اتجاه الحكومة لشراء الدولار من السوق السوداء بخمسة عشر جنيها وإعادة إيداعه فى البنوك بالسعر الرسمى لسد اعتمادات الاستيراد ودفع الفرق من قيمة العملة المحلية، يمكنها أن توجه جزءا فقط من دعمها للدولار الأمريكى ولسياسات الاستيراد السفيه إلى الفلاح المصرى حتى تتوفر لديه البيئة الإنتاجية الملائمة بما يعود بالنفع على البلد والحكومة والفلاح ومستقبل الزراعة المصرية.
الأمر لا يتوقف عند استيراد الذرة الصفراء فقط، فالحكومة تستورد فول لزوم التدميس والأعلاف بما يقارب المليار دولار، وحتى أكون دقيقا بـ "960 مليون دولار سنويا، تصوروا ! مصر بلد الفول مصر التى اخترعت الفول وتفنن أهلها فى كيفية تحويله إلى طعام، وكانت حتى وقت قريب تحقق الاكتفاء الذاتى منه وتصدر الفائض للخارج الآن تستورد 80% من استهلاكها منه، نتيجة السياسات الخاطئة والتكاسل عن علاج هذه السياسات، وما يحدث مع زراعة الفول يحدث مع محصول العدس الاستراتيجى للمصريين الذى كنا نصدر منه الفائض عن حاجتنا فأصبحنا نستورد معظم ما نستهلك منه بما يتجاوز المليار دولار!
الحكومة الموقرة تستورد أيضا لحوما بـ 3.1 مليار دولار سنويا ودواجن بـ 400 مليون دولار وأسماك بـ 350 مليون دولار وزيت طعام بـ 1.4 مليار دولار وأعلاف بـ 600 مليون دولار ومنتجات غذائية بـ 1.3 مليار دولار وغزل ونسيج وملابس بمليار و350 مليون جنيه وسيارات بمليار وتسعمئة مليون دولار وأدوية بـ 600 مليون دولار وموبايلات بـ 1.3 مليار دولار، فماذا ننتج بالضبط؟ ومتى يتوقف هذا التوجه البيروقراطى العاجز تجاه المشكلات الأكثر إلحاحا.
نحتاج سياسات زراعية رشيدة، تشجع الفلاح على زراعة ما نستهلك بالفعل، فمن لا ينتج قوت يومه لا يملك قراره، ونحتاج سياسات صناعية رشيدة، فالانفتاح السداح مداح أوصلنا إلى إهدار الاحتياطى من العملات الصعبة على استيراد الدباديب والفوانيس الصينى وطعام الكلاب والقطط والحديد التركى كامل الصنع والقطن قصير التيلة والسيارات الفارهة بينما مصانعنا تئن حتى تستمر فى الإنتاج والمعطلة منها لا تجد من يتخذ قرار تطويرها وإعادة تشغيلها كما لا يجد المهربون رادعا بينما نتشدق كل يوم بوضع التشريعات وتشديد الرقابة لحماية الصناعة الوطنية!
أكثر ما نحتاجه الآن هو حكومة حرب بعدد قليل من الوزراء الذين يمتلكون الرؤية والإرادة والقدرة على اتخاذ القرارات، ليضعوا السياسات التى تمكننا من إعادة إحياء قطاعات الإنتاج فى الزراعة والصناعة وجذب الاستثمارات والاستفادة من مقومات القوة الناعمة لمصر وعناصر التنمية القائمة، وبدلا من الركون فى مرحلة عنق الزجاجة التى يعشقها المسئولون عندنا، ننطلق على طريق الهند وكوريا الجنوبية وماليزيا وسائر الدول التى أدركت عناصر القوة لديها واستطاعت استثمارها
اللهم ارزقنا حكومة لديها رؤية
اللهم ارزقنا حكومة لديها إرادة
اللهم ارزقنا حكومة تكره الاستيراد السفيه
اللهم ارزقنا حكومة تحب الإنتاج والمنتجين
اللهم ارزقنا حكومة ليست مريضة بالبيروقراطية
اللهم ارزقنا حكومة قادرة على الابتكار
اللهم ارزقنا حكومة تعرف قيمة ما تملك من موارد وتحسن استغلالها
إنك على كل شىء قدير يا رب العالمين
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة