فى 30 أغسطس الماضى كتبت قائلا: «إن العمل الشرطى الآن فى مصر يمر بأزمة حقيقية، أزمة تكشف عورة ربما كانت موجودة من زمن لكننا لم ننتبه إليها، أو ربما أن كشفت، مؤخرًا، فأصابت هذا القطاع الحيوى فى مقتل، ولا أريد هنا أن أكون قاسيا على رجال الأمن فى مصر، لأنى على علم تام بأن بعضهم يتفانى حقا فى أداء مهماته، لكنى أيضا لا أرضى بأن تكون تلك الصورة هى صورة رجال الأمن فى مصر التى وعد الله داخليها بالأمن والأمان»، وللأسف فإن الحادثة تتبع الحادثة، والأزمة التى شهدناها عقب تهريب مسجونين متهمين بالإرهاب والإجرام على يد أفراد فى هذا الجهاز تؤكد أننا نحتاج إلى إصلاح جوهرى فى هذا الجهاز الحيوى، إصلاح يشمل الأفراد والضباط والمدنيين العاملين بهذا الجهاز، إصلاح لا يستثنى أحدا، ولا يتغافل عن شىء، إصلاح «ذمة» وإصلاح «همة» وإصلاح «مصائر» وإصلاح «ضمائر»، إصلاح يبدأ من منظومة اختيار العناصر الشرطية، ليفتح الباب لدخول دماء جديدة، نظيفة، متجددة، ومتطورة.
أول طريق الإصلاح يبدأ فى المكاشفة، وفى الحقيقة أنا لا أعرف كيف تدار وزارة كبيرة مثل وزارة الداخلية فى ظل نقص البيانات والإحصائيات التى تقيم الوضع الأمنى فى مصر وتكشفه، فالشرطة تقول كل يوم إنها ألقت القبض على هذا أو ذاك، أو إنها نجحت فى الإمساك بتشكيل عصابى أو ظفرت بنصر مبين فى القبض على شحنة ما كانت فى طريقها إلى التهريب، وفى الحقيقة كل هذه الأخبار تهوى إلى قاع سحيق حينما يسرق شىء من أحد فيكون الرد الأسرع على جميع الألسنة «ربنا يعوض عليك» أو حينما يتجنى أحد على أحد فيكون الرد «الصلح خير ويا بخت من بات مغلوب» أو حينما ترفع ألوية الجلسات العرفية وقعدات تقبيل الأدمغة على حساب دولة القانون سيادة القصاص.
ستقول لى: وما دخل هذا بواقعة تهريب مساجين من داخل سجن عمومى؟ وسأقول لك: إن إصلاح «المناخ الأمنى» هو لب المشكلة، فالفساد الذى يبدأ بتسيير سيارات ميكروباص من دون لوحات معدنية من أمام أقسام الشرطة، لأن الأمين الفلانى «مشارك» على سيارة، أو لأن الأمين العلانى يتوسط لفلان الفلانى، ينتهى حتما بتهريب مساجين من سجن عمومى، وما أطلب ليس بكثير، فقط أطلب الإحصائيات الدقيقة عن عدد البلاغات المقدمة إلى أقسام الشرطة فى مصر مقارنة بعدد مرات القبض على المتهمين ونسبة الحاصلين على أحكام نهائية فى تلك الجرائم، فقط لنعرف الحالة الأمنية فى مصر، ثم بعدها نبدأ الإصلاح.