د. مغازى البدراوى

بوتين سيلعب على المكشوف

الخميس، 27 أكتوبر 2016 10:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
منذ وقوع أحداث الحادى عشر من سبتمبر عام 2001 فى نيويورك وانطلاق "الحملة الأنجلوسكسونية" المشتركة بين واشنطن ولندن ضد ما أسموه بـ"الإرهاب العالمى"، والجدل يسود العالم حول المحرك الأساسى وراء هذا الإرهاب، والشكوك تتزايد يومًا بعد يوم حول جهات تحرك هذه الجماعات الإرهابية من داخل الولايات المتحدة الأمريكية، خاصة فى روسيا التى لها سوابق فى التعامل مع هذه النوعية من الجماعات، فى أفغانستان مع المجاهدين الأفغان ومع حركة طالبان، وبعد ذلك فى الشيشان، وكان الدعم والتمويل من واشنطن ولندن واضح فى هذه الحالات، وهو أيضًا ما انكشف بعد ذلك مع تنظيم القاعدة الذى تركته الحملة الأمريكية على الإرهاب وذهبت تدمر فى أفغانستان وتقتل المدنيين، ثم انتقلت للعراق لتعيث فيه خرابا وقتلاً وتدميرًا ونهبًا لثرواته، كل هذا والجدل يدور حول الجهات التى تحرك هذا الإرهاب العالمى وتقف وراءه. 
 
على المستويات غير الرسمية تشير الكثير من أصابع الاتهام إلى واشنطن، وتتردد أقاويل من شخصيات أمريكية عامة تعترف بدور أمريكى فى تأسيس وتحريك ودعم هذه التنظيمات، مثل تصريحات هيلارى كلينتون المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعى حول دور واشنطن فى تأسيس تنظيم داعش، أما على المستوى الرسمى فيبدو أن الخوف من النفوذ والضغوط الأمريكية هو سيد الموقف، فلا نسمع من القادة وكبار السياسيين أى اتهامات لواشنطن، اللهم بعض التلميحات على استحياء وخوف من غضب البيت الأبيض، فقط الرئيس الروسى فلاديمير بوتين هو الوحيد الذى امتلك الجرأة والقدرة على المواجهة وتوجيه الاتهامات، وذلك منذ البداية عندما رفض غزو العراق، ثم بعد ذلك فى مؤتمر ميونيخ للأمن عام 2007 والذى شهد أول هجوم رسمى من دولة كبيرة على توجهات السياسة الخارجية الأمريكية، حيث شنّ فيه بوتين هجومًا شديد اللهجة على الولايات المتحدة، بسبب سياسة الهيمنة، التى تنتهجها، ودورها فى اندلاع نزاعات مسلحة حصدت عددًا كبيرًا من الضحايا، وذلك بحضور نخبة من قادة وسياسى العالم، بما فيهم وزير الدفاع الأمريكى روبرت جيتس الذى كان يجلس على بعد أقل من مترين من المنصة ونظرات بوتين طيلة حديثه موجهة إليه، هذه الجرأة من بوتين بقدر ما أغضبت وأثارت قلقاً شديداً لدى الأمريكيين والإنجليز، بقدر ما حظيت بإعجاب وتقدير الغالبية العظمى من دول العالم، بما فيها دول أوروبية كبيرة مثل ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وغيرهم، فقد قال بوتين ما يريدون هم قوله لكن الضغوط الأمريكية تمنعهم. 
 
لم يتراجع بوتين ولم يتردد ولم يخشى الضغوط الأمريكية، بل زاد جرأة وشراسة فى وجه الغطرسة الأمريكية، انعكس ذلك بوضوح فى هجوم القوات العسكرية الروسية فى أغسطس عام 2008 على جورجيا لردعها عن اعتدائها على الجمهوريتين الصغيرتين أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا، ودخلت القوات الروسية الأراضى الجورجية واقتربت من العاصمة تبليسى وباتت على بعد بضعة كيلو مترات من القاعدة العسكرية الأمريكية هناك، وتوقع العالم رد فعل قوى من واشنطن الحليف الأكبر لجورجيا، لكن شيئاً لم يحدث، وحينذاك بدا بوتين الشخص الأقوى فى العالم كله، وذلك بشهادة الأمريكان والبريطانيين ووسائل إعلامهم 
 
وجاءت الأزمة السورية التى أدى التدخل العسكرى الروسى فيها إلى قلب كل الموازين الإستراتيجية الإقليمية والعالمية أيضًا، فقد ظهرت روسيا على الساحة السورية كقوة عسكرية جبارة ومنفردة بالأجواء ولا أحد يجرؤ أن يشاركها هذه الأجواء إلا بموافقتها والتنسيق معها، والكثيرون يطمحون لذلك، عدا واشنطن ولندن اللتين أثرتا تجنب الصدام المباشر واكتفيا بتوجيه الاتهامات والانتقادات لموسكو، لكنهما كانا فى نفس الوقت يلعبان أدوارًا أخرى فى الخفاء، فى دعم الجماعات الإرهابية فى سوريا، وكلما زادت خسائر هذه الجماعات من الهجمات الروسية علا صراخ وعويل لندن وواشنطن بالاتهامات الكاذبة باستهداف المدنيين، وفشلت كل محاولات التنسيق والحوار بين موسكو وواشنطن فى مكافحة الإرهاب، وذهبت واشنطن تخلط ما بين المعارضة المعتدلة والتنظيمات الإرهابية، مثل "جبهة النصرة"، وزاد غضب واشنطن على موسكو مع القصف الروسى المكثف للإرهابيين فى حلب، وعلت الاتهامات التى وصلت لدرجة التهديد بتوقيع عقوبات على روسيا، وتهديد أجوف بالتدخل العسكرى الأمريكى فى سوريا تراجعت عنه الإدارة الأمريكية بسرعة.
 
 الآن يبدو أن الرئيس الروسى بوتين قد نفد صبره ولم يعد يحتمل اللعب تحت الطاولات، فقرر اللعب على المكشوف وقرر تسمية الأشياء بأسمائها، وهذا ما بدا فى تصريحاته الأخيرة التى أدلى بها مؤخرًا للقناة الأولى فى التليفزيون الفرنسي، حينما قال أن شركاء موسكو فى الغرب يكررون أخطائهم عندما يستخدمون قدرات الإرهابيين العسكرية لتحقيق أهدافهم السياسية، وقال إن الدول الغربية التى تستخدم الإرهابيين والمتطرفين لا تدرك أن المسلحين سيخرجون عن سيطرتها فى نهاية المطاف. 
 
اتهامات صريحة من الرئيس بوتين بوقوف واشنطن ولندن خلف التنظيمات الإرهابية ودعمهما لها بالمال والسلاح، وهو الأمر الذى لم يرد عليه أحد بالإنكار، مما يعنى أن روسيا الآن تقود حرب شبه مباشرة مع الولايات المتحدة الأمريكية بالوكالة، وأن بوتين سوف يستمر فى كشف الأوراق وتوجيه الاتهامات المباشرة، الأمر الذى ينذر بتصعيد وتوتر أكبر فى المنطقة، خاصة مع عملية "تحرير الموصل" التى ترى موسكو أن هدفها الرئيسى هو نقل تنظيم "داعش" من العراق إلى سوريا. 

 










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة