قد تكون من عشاق السينما وقد لا تكون، أو قد تكون من محبى الأفلام العربية أو قد تكون من عشاق سينما الغرب ولا تطيق أفلامنا، قد تكون شاباً أو قد تكون كهلاً، قد تكون مصرياً أو قد تكون تحمل جنسية أخرى، وقد تكون تحمل دكتوراه أو قد تكون فقط بتفك الخط، أى أنك بغض النظر عن توجهك وسنك وطبيعتك بالتأكيد ستعرف وتحترم وتقدر اسم شخص لو نطق به أحد أمامك وقال يوسف شاهين، ذلك الراحل الفنان الذى ترك لنا إرثا من أفلام بعضها الأهم فى تاريخنا بل حتى الأهم فى تاريخ السينما العالمية، يوسف شاهين المخرج الذى ظل يعمل حتى لحظة الرحيل ليقدم لنا أفلاما أحببتها أو لم تحبها، فهمتها أو لم تصل لك رسالتها كاملة، هو بالتأكيد نموذج لفنان مازال وسيظل يحظى باحترام وقيمة لدى كل مصرى وعربى، فهو متفرد وقف ممثلا لبلده فى كل محفل سينمائى دولى تصفق لأعماله يد الأجنبى قبل العربى، يوسف شاهين هو قناوى باب الحديد، وهو العصفور ومصر يامه يابهية وهو الناصر صلاح الدين، وهو ابن رشد، وهو المحذر من الفوضى قبل الفوضى، يوسف شاهين هو تأريخ سينمائى لانتصاراتنا وهزائمنا وخوفنا وفرحنا وحتى حكايات حبنا. هذا الأسبوع ليس ذكرى وفاته ولا هو ذكرى ميلاده، ولذا فقد تتساءل أيها القارئ: لماذا إذا أكتب عنه الآن، ونحن لا نتذكر من منحونا قيمة إلا لمناسبة وكسد خانة؟ وقبل أن أجيب على سؤال ربما دار فى عقلك سأطرح أنا سؤالاً عليك: ما الذى بقى لك ولى من شاهين أو من غيره من قامات هذا الوطن غير أعمالهم التى تركوها لنا سواء كلمة مكتوبة أو أغنية أو فيلم أو رواية، نشعر معها أننا أصحاب إرث ثقافى وفنى وإنسانى نباهى به حين يبخل علينا حاضرنا بمثلهم؟
ربما أطلت فى المقدمة ولكنها صلب الموضوع، فعلى قناة الحياة المصرية تم عرض برومو لبرنامج تقدمه مذيعة استضافت محسن محيى الدين الذى قدمه شاهين كوجه جديد منذ عقود، وفى البرومو تسأل المذيعة ضيفها عن الحياة الجنسية لشاهين سؤالا فيه إشارة غير لائقة، وعجباً فما الذى يهم المشاهد فى حياة جنسية لرجل ميت؟ صحيح أننى وغيرى قد تواصلنا مع الدكتور السيد البدوى مالك القناة معترضين وصحيح أن الرجل مشكوراً أبدى انزعاجا ورفضاً، وصحيح أن البرومو الذى كان يُذاع كل بضع دقائق تم رفعه، ولكن يظل السؤال: إلى متى سنظل نلعب إعلاماً غير مسؤول ولا مهنى ولا يحمل أى لياقة؟ إلى متى سيظل إعلامنا سياسيا أو اقتصاديا أو فنياً «إعلام أصفر» يبحث عن مانشيت أو لحظة مشاهدة على اليوتيوب بعنوان حارق؟ إلى متى ستظل قنوات التليفزيون بمعديها ومذيعيها بلا ضابط أو رابط إلا باتصال من مسؤول كبير أو صديق يستجدى تصحيح مسار رصاصة طائشة غبية؟
فى بلاد الغرب أصحاب الحرية المنشودة منا جميعا، والتى يقول عليها كثير من أهل الشرق إنها منفلتة أخلاقياً، لو فعل وقال مذيعها نصف ما يفعله ويقوله الإعلاميون لدينا أو ربما أقل على الشاشات ليل نهار لطارت رقاب، وجلسوا مفلسين من الغرامات والقضايا مرفوضين من المجتمع ومن المهنة وأهلها.
يوسف شاهين مات ولكن قلة الأدب وعدم الكياسة مازالت تحيا بيننا وبقوة اللهم ارحمنا منها وممن يرفعون لواءها وهم كُثر.