الاختلاف فى وجهات النظر وارد وأحيانا ضرورى، لكنه يختلف عن الاستقطاب والكيد، والتربص والتصيد. الأمر هنا لا يتعلق بالتأييد أو المعارضة، وإنما برغبة فى النجومية وجمع علامات الإعجاب والتصفيق، وتصل بالبعض إلى حد المغالطة بل والفحش واستعمال الإيحاءات والتعليقات غير اللائقة، وأحيانا «قلة القيمة» لدى بعض كبار المعلقين وجامعى اللايكات، ربما لأن عدوى مواقع التواصل انتقلت إلى قطاع لا يستهان به من الكتاب والمحللين، تمنعهم من إبداء أى استعداد لقبول وجهات نظر أخرى.
إننا أمام جدل يقوم على الاستقطاب والمبالغة ويتعامل مع الشائعات باعتبارها مواد خام للنقاش، مع الجدية فى أمور تافهة وجمل عرضية أو زلات لسان، وأحيانا يكتشف الشخص أنه اعتمد على شائعة أو معلومة خاطئة، ويجد من الصعب عليه الاعتراف بالخطأ، حتى لا يجرح تحليلاته اللوذعية وإفيهاته العبقرية.
مثال واحد خلال مؤتمر الشباب، كانت هناك جملة: «لا وقت للبيروقراطية» وردت على لسان الرئيس، لكن موقع البداية نقلها «لا وقت للديمقراطية». قبل أن يكتشف الموقع خطأه ويعتذر.
وبالرغم من أن السياق التى وردت فيه الكلمة يشير إلى «البيروقراطية» حيث قال الرئيس «لا وقت لدينا للخلاف والفساد والبيروقراطية»، لكن الموقع نقلها على أنها الديموقراطية، وانبرى عدد من المعلقين ليدبجوا المقالات والاستنتاجات والنظريات عن «الأشياء التى ليست هى الحاجات». ومن هؤلاء الناشط والنائب السابق زياد العيمى، الذى كتب مقالا حول الموضوع، ومعه المفكر وأستاذ القانون الدكتور محمد نور فرحات الذى علق بتعجل على «فيس بوكه».
دعنا من أنه يفترض أن يتأكدوا، لكنهم اندمجوا فى تعليقات جاهزة ومعلبة، وحتى عندما اعتذر موقع البداية، لم يكلف أحد ممن علقوا أن يعتذر، باستثناء الدكتور أحمد دراج الذى علق على تويتر، واعتذر عندما عرف بالخطأ الذى وقع فيه الموقع، مع أنه لديه وجهة نظر معارضة لكنه تصرف باحترام، بينما بعض ممن علقوا أصروا على تبريرات سطحية.
وهذا مجرد مثال على طريقة فى التفكير والنقاش، لا تتعلق بالتأييد أو المعارضة، ولكن بإصرار بعض الكبار على التعامل بصغر، بشكل يقلل من صورتهم، من أجل إعجاب من جمهور افتراضى متغير، وكان تعامل البعض مع مؤتمر الشباب أو غيره بنفس التربص والموقف المسبق بلا استعداد للحوار، بل وإطلاق الاتهامات العامة والأوصاف المجردة بلا أى تردد، وهى عدوى انتشرت وسادت خلال ست سنوات، ولو راجع بعض هؤلاء ما سبق ربما اكتشفوا أنهم يمارسون «عادة علنية» و«قلة قيمة مضافة».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة