تمر اليوم، الاثنين، 31 من أكتوبر 2016، الذكرى السابعة لرحيل الطبيب والمفكر والفيلسوف المصرى الدكتور مصطفى محمود "27 ديسمبر 1921 – 31 أكتوبر 2009"، وأول ما نتذكره حينما يمر اسمه أحد أشهر كتبه "حوار مع صديقى الملحد"، وبرنامج الشهير "العلم والإيمان".
فى كتابه "حوار مع صديقى الملحد" الصادر عام 1986، يقدم مصطفى محمود مثالاً متحضراً قائماً على حوار العقلانى، بين المؤمن بالعقيدة، وتحديداً الإسلام، والمتشكك، أو من لديه تساؤلات مادية قد يطرحها العقل البشرى فى فترة ما، مثل: "هل الله موجود؟"، و"من خلق الله؟"، تلك الأسئلة التى يرددها الأطفال فى بداية حياتهم بحثاً عن إجابة كثيراً ما يتلعثم الآباء أمامها.
إلا أن هذه الأسئلة لا تنتهى بمرحلة الطفولة، لكنها تأخذ شكلاً آخر، من البحث، وطرح الرؤى المغايرة، وإذا كان الراحل مصطفى محمود قد واجه مثل هذه المواقف والأسئلة بالحوار العقلى، بكتابه "حوار مع صديقى الملحد"، فإن مثل هذه التساؤلات ودعوات البحث والنقاش لا تواجه إلا تهمة "ازدراء الأديان".
يقول مصطفى محمود فى كتابه: صديقى رجل يحب الجدل ويهوى الكلام وهو يعتقد أننا نحن المؤمنون السذج نقتات بالأوهام ونضحك على أنفسنا بالجنة والحور العين وتفوتنا لذات الدنيا ومفاتنها، وصديقى بهذه المناسبة تخرج من فرنسا وحصل على شهادة دكتوراه وعاش مع الهيبيز وأصبح ينكر كل شئ.
قال لى ساخراً: أنتم تقولون: إن الله موجود، وعمدة براهينكم هو قانون السببية الذى ينص على أن لكل صنعة صانعاً ولكل خلق خالقاً ولكل وجود موجداً، والنسيج يدل على النساج والرسم على الرسام والنقش على النقاش والكون بهذا المنطق أبلغ دليل على الاله القدير الذى خلقه.
صدقنا وآمنا بهذا الخالق، ألا يحق لنا بنفس المنطق أن نسأل: ومن خلق الخالق؟ من خلق الله الذى تحدثوننا عنه؟ ألا تقودنا نفس استدلالاتكم إلى هذا؟ وتبعاً لنفس قانون السببية، ما رأيكم فى هذا المطب دام فضلكم؟ ونحن نقول له: سؤالك فاسد، ولا مطب ولا حاجة فأنت تسلم بأن الله خالق ثم تقول من خلقه؟! فتجعل منه خالقاً ومخلوقاً فى نفس الجملة وهذا تناقض، والوجه الآخر لفساد السؤال أنك تتصور خضوع الخالق لقوانين مخلوقاته، فالسببية قانوننا نحن أبناء الزمان والمكان.
والله الذى خلق الزمان والمكان هو بالضرورة فوق الزمان والمكان ولا يصح لنا أن نتصوره مقيداً بالزمان والمكان ولا بقوانين الزمان والمكان. والله هو الذى خلق قانون السببية فلا يجوز أن نتصوره خاضعا لقانون السببية الذى خلقه، وأنت بهذه السفسطة أشبه بالعرائس التى تتحرك بزمبلك وتتصور أن الإنسان الذى صنعها لابد هو الآخر يتحرك بزمبلك، فاذا قلنا لها بل هو يتحرك من تلقاء نفسه، قالت: مستحيل أن يتحرك شئ من تلقاء نفسه، إنى أرى فى عالمى كل شئ يتحرك بزمبلك، وأنت بالمثل لا تتصور أن الله موجود بذاته بدون موجد، لمجرد أنك ترى كل شئ حولك فى حاجة إلى موجد.
ومما ذكرنا آنفاً، يتبين لنا كيف أدار الراحل مصطفى محمود حواراً عقلانياً، لم يتهم فيه صديقه "الملحد" لا بالفكر، ولا بالإلحاد أيضًا، وما أحوجنا فى أيامنا هذه إلى هذه النوعية من النقاش والحوار فى كل مناحى الحياة، فلم يعد للحوار والنقاش إلا مكان واحد، وهو ساحات القضاء، أو إلغاء البرامج التليفزيونية، أو الاغتيالات، وما أكثر فى عالمنا العربى اليوم، ولدينا فى الإعلامى والباحث إسلام بحيرى خير مثال، ومن قبله كثيرين.
ألف مصطفى محمود 89 كتاباً، منها الكتب العلمية والدينية والفلسفية والاجتماعية والسياسية، إضافة إلى الحكايات والمسرحيات وقصص الرحلات، ويتميز أسلوبه بالجاذبية مع العمق والبساطة.
كما قدم مصطفى محمود 400 حلقة من برنامجه الشهير "العلم والإيمان"، وفى عام 1979 أنشأ مسجده المعروف بـ"مسجد مصطفى محمود"، والذى يتبع له ثلاثة مراكز طبية تهتم بعلاج ذوى الدخل المحدود ويقصدها الكثير من أبناء مصر نظراً لسمعتها الطبية، وشكل قوافل للرحمة من ستة عشر طبيبًا، ويضم المركز أربعة مراصد فلكية، ومتحفاً للجيولوجيا، يقوم عليه أساتذة متخصصون. ويضم المتحف مجموعة من الصخور الجرانيتية، والفراشات المحنطة بأشكالها المتنوعة وبعض الكائنات البحرية، والاسم الصحيح للمسجد هو "محمود" وقد سماه باسم والده.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة