أعرف أن الدكتور ممدوح الدماطى، وزير الآثار السابق، كان ملحقا ثقافيا فى ألمانيا لمدة طويلة، لكنى فى الحقيقة لم أكن أعرف أن تولى الشخص منصبا حكوميا فى دولة أجنبية يجعله متبنيا لموقف هذه الدولة حتى وإن كان الأمر ضد دولته، تلك الدهشة انتابتنى حينما قرأت تصريحات الدكتور ممدوح الدماطى فى معرض كتاب الجزائر التى ادعى فيها أن رأس نفرتيتى ملكية ألمانية خالصة، وأنه ليس لمصر الحق «أبدا» فى استعادته، لأن الألمان، بحسب قوله، يمتلكون وثائق تؤكد هذه الملكية، وفى الحقيقة فإن ما سمعته من الوزير السابق جعلنى متشككا فيما أسمع، فهل هذا وزير آثار مصر السابق أم وزير آثار ألمانيا الحالى؟
الأمر مفجع حينما يأتى من أستاذ للآثار المصرية والمسؤول الأول السابق عن آثار مصر، فإذا كان هذا هو اعتقاد «حامى حمى الآثار» فماذا يكون رد فعل البقية؟ وإذا كان هذا هو كلام العلماء، فكيف يكون كلام الجاهلين؟
هنا سأترك الرد للمستشار أشرف العشماوى، المستشار السابق لوزارة الثقافة الذى يعد واحدا من أشهر قضاة مصر وروائييها على حد سواء، فقد عمل العشماوى لسنوات طويلة فى ملف استرداد الآثار وأعد ملفا قانونيا متكاملا من أجل استرداد هذه القطعة الفنية التى تجتذب ملايين السائحين سنويا من أجل رؤيتها فحسب، وفى هذا الملف أثبت العشماوى أن مصر تمتلك الحق الكامل فى المطالبة بعودة رأس نفرتيتى، مؤكدا أن رئيس البعثة الألمانية ارتكب جريمة التزوير والتدليس من أجل إخراج هذه القطعة الفنية العظيمة من مصر، وقد كانت مصر وقتها تسمح للبعثات الأثرية باقتسام ما تنتج عنه الحفائر، غير أن رئيس بعثة حفائر ألمانية «لودفيج بوخارت» هرب هذا الرأس خارج مصر مستخدما كل الحيل غير القانونية الممكنة، فقد دون أوصافا مخالفة للوصف الأثرى الحقيقى فى محاضر القسمة، وهو أمر غير قانونى، وادعى أن الرأس لأميرة وليس لملكة وهو ادعاء غير حقيقى، وزعم أنه من الجبس وليس من الحجر الجيرى، وهو زعم يثبت كيف تعمد هذا الرجل الكذب والتدليس، وأظهر لمفتش الآثار الفرنسى الذى كان منتدبا من الحكومة الفرنسية للإشراف على عملية القسمة صورة فوتوغرافية من الأثر وليس الأثر نفسه، وهو أيضا أمر مخالف لما هو متفق عليه، وحينما اكتشفت مصلحة الآثار هذا التدليس قامت مصر بتقديم طلب إلى هتلر لعودة رأس نفرتيتى فوافق على عودة نفرتيتى، لكن «بورخات» أقنع هتلر بعدم عودة نفرتيتى وكتب فى مذكراته « لقد كنت ثعلبًا خدعت المصريين»، غير أن المدهش فى الأمر أن يكون «الدماطى» من هؤلاء المخدوعين.