أصبحت قوات البيشمركة الكردية الشريك الأقوى فى مواجهة تنظيم داعش الإرهابى والذى تعول عليه الولايات المتحدة فى إنجاز هذه المهمة إلى جانب قوات الجيش العراقى. ولذلك تصدر تطور نشاط البيشمركة عناوين الصحف الأجنبية منذ بدء عملية تحرير الموصل.
وجاء عنوان صحيفة نيويورك تايمز حول العملية: "آلاف الجنود الأكراد يبدأون معركة تحرير الموصل"، وتحدثت التقارير المتوالية من الصحف الأمريكية والبريطانية، منذ انطلاق عملية تحرير الموصل فى 17 أكتوبر الجارى، عن المكاسب التى حققتها قوات البيشمركة، وعدد القرى التى استطاعوا تحريرها. وصباح الأحد 23 أكتوبر تصدر صفحة موقع محطة "سى.إن.إن" على الإنترنت عنوان "القوات الكردية على بعد 5 أميال من الموصل"، دون الإشارة إلى قوات الجيش العراقى، فى تلميح إلى أن المعركة برمتها تعتمد على البيشمركة.
وفيما سعت وسائل الإعلام الغربية لإبراز الدور البطولى الذى تلعبه القوات الكردية فى مواجهة التنظيم الإرهابى، الذى استولى على مساحات واسعة من الأراضى العراقية فى يونيو 2014، نشرت صحيفة التايمز البريطانية تقرير يقول أن قوات البيشمركة باتت تضحك فى وجه التفجيرات الانتحارية التى تشنها عناصر تنظيم داعش.
وتحدثت الصحيفة عن كشف القوات الكردية لتكتيكات العناصر الإرهابية فى المعركة داخل الموصل حتى أنهم تعودوا عليها وأصبحوا يقابلونها بالنكات. والمسئولون الأمريكيون قالوا صراحة إن القوات الكردية هى الأكثر قدرة على مواجهة تنظيم داعش، ليس فى العراق فقط وإنما فى سوريا أيضا. فعقب إعلان وزير الدفاع الأمريكى أشتون كارتر، عن ضرورة إطلاق عملية لتحرير مدينة الرقة السورية، التى يتخذها داعش عاصمة لدولته المزعومة، أعربت تركيا عن اعتراضها على مشاركة القوات الكردية السورية، الذين يعرفون باسم (Y.P.G)، جاء رد المسئولين الأمريكيين سريعا بأن المقاتلين الأكراد هم الأفضل.
وعقد الجنرال ستيفن تاونسند، قائد القوات الأمريكية فى العراق، مؤتمرا صحفيا قال خلاله، بشكل لا لبس فيه، "الحقائق هى أن القوى الوحيدة القادرة على تنفيذ أى جدول زمنى على المدى القريب، ضد داعش، هى القوات الديمقراطية السورية التى يمثل (Y.P.G) جزءا كبيرا منهم". وأكد مسئولون أمريكيون أن المقاتلين الأكراد هم أفضل مقاتلين فى مواجهة تنظيم داعش.
ويجد المتابع للشأن العراقى والسورى أن الموقف الأمريكى الرسمى الذى يعول على الأكراد فى هزيمة الإرهابيين ليس جديدا. فمنذ أن أثبت الأكراد شجاعة وقوة فى مواجهة عناصر التنظيم الوحشى فى قرية كوبانى على الحدود السورية وتغيرت نظرة وطريقة المجتمع الدولى فى التعامل مع هذه الفئة من السكان، المتناثرة بين العراق وسوريا وتركيا والتى تحلم بإعلان دولتها الخاصة.
وأقرت لجنة القوات المسلحة فى الكونجرس الأمريكى فى مايو 2015، مشروع قرار يتضمن تقسيم العراق إلى ثلاث كيانات، شيعى وسنى وكردى. وينص المشروع على تعامل واشنطن مع الكيانات الثلاثة، المقسمة على أساس دينى وعرقى، بشكل منفصل عن الحكومة المركزية فى بغداد، ومن ثم تقديم المساعدات العسكرية المباشرة لقوات "البيشمركة" الكردية والقوات السنية.
وسبق هذا التحرك قرار من الإتحاد الأوروبى السماح بحضور ممثلين عن حكومة إقليم كردستان، شبه المستقل، فى اللقاءات عالية المستوى بين الإتحاد الأوروبى وبغداد، وهو ما دفع زانا كوردا، مستشار إقليم كردستان فى بعثة الاتحاد الأوروبى، للتعليق متحدثا عن الكرد كشعب منفصل عن العراق. وبينما لم تنته معركة الموصل بعد، فإن نيجيرفان بارزانى، رئيس وزراء اقليم كوردستان، قال إنه بعد عملية تحرير الموصل، سنبدأ بإجراء مباحثات استقلال كوردستان مع بغداد.
وتظل الحقيقة الواقعة أن إقليم كردستان العراق، يتمتع بحكومة مستقلة أو ما يعتبر شبه مستقل، وقد حققت قوات البيشمركة الكردية انتصارات على تنظيم داعش، التنظيم الإرهابى الذى لم تستطع الحكومة العراقية المركزية، بدعم أمريكى ودولى رده وحدها. وهو ما يؤكد استقلال الإقليم على أرض الواقع جيشا وحكومة.
ويبقى الحديث عن تأسيس دولة كردية كبرى تشمل الأكراد المتناثرون بين تركيا وسوريا والعراق وإيران، متوقفا على حق كلا منهم على حدة فى تقرير مصيره، فالحديث عن "الدولة الكردية" الكبرى، وطرح "فكرة الدولة"، أمران مختلفان، إذ ليس هناك مشروع دولة كردية كبرى، لكن الحديث عن الكُرد وحقوقهم فى تأسيس الدولة مطروح، حتى وإن كان تشكيل دولة كبرى هو حلم لكل كوردى وحق مشروع ينطلق من حقهم التاريخى فى الأرض.
لكن ما هو جدير بالالتفات هو الثقل الذى صنعته القوات الكردية فى المنطقة فى مواجهة التحدى الأكبر، الذى يتمثل فى الإرهاب والعناصر المتطرفة، وهو ما أكسبها دعما من القوى الدولية الكبرى ومن الإعلام الغربى ربما يفضى إلى اعتراف بدولتهم المستقلة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة