نقلا عن العدد اليومى...
أصدق الكتابات هى تلك التى تأتى من المعايشة، والحرب بكل ظروفها تجعل الكتابة مصحوبة بالشجن الكبير، وحرب أكتوبر 1973 كانت حجر الزاوية فى كثير من كتابات قادتها ومذكراتهم الشخصية.
«لم نكف عن التفكير فى الهجوم على العدو الذى يحتل أراضينا حتى فى أحلك ساعات الهزيمة فى يونيو 1967، لقد كان الموضوع ينحصر فقط فى متى يتم مثل هذا الهجوم وربط هذا التوقيت بإمكانات القوات المسلحة لتنفيذه، كان هذا هو حال القادة المصريين فى انتظار حرب التحرير».
حرب أكتوبر
فى مذكرات سعد الدين الشاذلى التى جاءت 8 أبواب، يقوم بوصف التخطيط والتنفيذ لحرب أكتوبر ويقدم فى فصله الأول مقارنة بين حال القوات المصرية والصهيونية عند تسلمه للمسؤولية، وبعد ذلك ينتقل الشاذلى للحديث عن الخطط العسكرية أثناء معركة الاستنزاف والخطة الدفاعية التى كانت تطبق آنذاك، وما بين التفكير فى معركة العبور، ثم يتحدث عن مراحل تطور الخطط وكيف استقر الرأى على عملية العبور المحدودة «المآذن العالية»، ومن ثم الوقوف وقفة تعبوية انتظارا لما تسفر عنه الأمور، ومن تطور قدرات القوات المصرية بعد ذلك.
ويتذكر «الشاذلى» أنه فى خريف 1968 بدأت القيادة العامة للقوات المسلحة تستطلع إمكان القيام بتحرير سيناء على شكل «مشاريع استراتيجية» تنفذ بمعدل مرة واحدة فى كل عام، وقد كان الهدف من هذه المشاريع هو تدريب القيـادة العامة للقوات المسلحة، بما فى ذلك قيادات القوات الجوية والقوات البحرية وقوات الدفاع الجوى، وكذلك قيادات الجيوش الميدانية وبعض القيادات الأخرى، على دور كل منها فى الخطة الهجومية. لقد اشتركت أنا شخصيا فى ثلاثة من هذه المشاريـع قبل أن أعين رئيسا لأركان حرب القوات المسلحة.
ويقول المشير سعد الدين الشاذلى فى باب بعنوان «الهدوء الذى يسبق العاصفة»، إنه فى تمام الساعة 1400 يوم 21 من أغسطس 73 دخلت ميناء الإسكندرية باخـرة ركاب سوفيتية وعليها 6 رجال سوريين كان يتوقف على قرارهم مصير الحـرب والسلام فى منطقة الشرق الأوسط. كـان هؤلاء هم اللواء طلاس وزير الدفاع، واللواء يوسف شكور «ر.أ.ح. ق. م. س»، واللواء ناجى جـميل قـائد القوات الجوية والدفاع الجوى، واللواء حكمت الشهابى مدير المخابرات الحربية، واللواء عبدالرزاق الدردرى رئيس هيئة العمليات، والعميد فضل حسين قائد القوات البحرية. كانوا جميعا بملابسهم المدنية ولم يخطر وسائل الإعلام فى مصر أو فى سوريا بأى شىء عن هذا الموضوع سواء قبل وصـول الوفد أم بعده. كنت أنا فى استقبـالهم على رصيف الميناء، حيث خرجنا دون أية مراسم إلى نادى الضباط، حيث أنزلوا خلال فترة إقامتهم بالإسكندرية.
وتابع وفى الساعة 1800 من اليوم نفسه اجتمع الوفدان المصرى والسورى فى مبنى قيادة القوات البحرية المصرية فى قصر رأس التين بالإسكندرية. كان الوفد المصرى يتكون من الفريق أول أحـمد إسماعيل وزير الحـربية، والفريق سعد الدين الشاذلى «ر.ا.ح.ق.م.م»، واللواء محمد على فهمى قائد الدفاع الجـوى، واللواء حسنى مبارك قائد القوات الجوية، واللواء فؤاد زكرى قـائد القوات البحرية، واللواء عبدالغنى الجمسى رئيس هيئـة العمليات، واللواء فؤاد نصار مدير المخـابرات الحربيـة، كان هؤلاء الرجـال الثلاثة عشـر هم المجلس الأعلى للقوات المصرية والسورية المشتركة، وكان يقوم بأعمال السكرتارية لهذا المجلس اللواء بهى الدين نوفل.
وأوضح المشير سعد الدين الشاذلى، أن الهدف من اجتماع هذا المجلس هو الاتفاق على ميعاد الحرب.
وانطلقت المدافع عند الظهر
أما محمد عبدالحليم أبو غزالة فيقول «إنه فى السادس من أكتوبر 1973 فوجئت إسرائيل باقتحام خمس فرق مصرية لقناة السويس واجتياحها لخط بارليف الحصين، وذلك على الرغم من التحذيرات التى تلقتها القيادة الإسرائيلية العليا.
وأوضح أبو غزالة، أن القيادة المصرية كانت تعلم تمام العلم أن إخفاء حشد قوات ضخمة فى ظروف التطور الكبير لوسائل الاستطلاع الجوى أمر مستحيل، خاصة أن إسرائيل لديها طائرات استطلاع إلكترونى حديثة، كما أن الأقمار الصناعية الأمريكية تمدها بكل المعلومات أولا بأول، إلا أن ذلك لا يمنع من إمكان تحقيقها.
وأوضح أبو غزالة، أن أهم الأشياء المطلوب العمل على تأمينها هى خداع العدو عن احتمال قيام مصر بالهجوم وتغذية اقتناع القادة الإسرائيليين بأن العرب غير قادرين على الحرب، ولقد نجحت القيادة الاستراتيجية والسياسية المصرية فى هذا نجاحا باهرا، وتمكنت من إقناع إسرائيل بأن أى حركات عسكرية إنما هى لأهداف سياسية داخلية وخارجية وأسلوب من أساليب الضغط السياسى.
وأضاف اللواء أركان حرب محمد عبدالحليم أبوغزالة، أن المصريين بالنسبة لإسرائيليين لا يستطيعون شيئا، بل اقتنعوا بأن المصريين عاجزين عن دخول أى حرب وأنهم إذا ما دخلوا الحرب فستتمكن إسرائيل من سحقهم بصورة لا تقوم لهم بعدها قائمة، ونتيجة ذلك رفض موشى ديان الاقتناع بالبديهيات التى كانت تفرضها المعلومات المتيسرة والموقف العام.
ويقول اللواء أركان حرب محمد عبدالحليم أبوغزالة، إن كل الدلائل وكل الأعمال التى تمت لفترة طويلة قبل الحرب كانت توحى بأن مصر مصممة على القتال وعلى خوض حرب كانت توحى بأن مصر مصممة على القتال وعلى خوض حرب التحرير مهما كان الثمن الذى ستدفعه.
مذكرات الجمسى
كتب المشير محمد عبدالغنى الجمسى هذه المذكرات بعد أن ترك الخدمة العسكرية والعمل العام، وهو يتذكر عندما أصبح رئيسًا للأركان فى الجيش المصرى عام 1971، حيث عين فى هذا المنصب خلفًا للفريق محمد فوزى، صدرت مذكرات المشير الجمسى عام 1989، وقامت الهيئة العامة للكتاب بإصدار الطبعة الثانية فى عام 1998. فى تلك المذكرات التى وقعت فى 6 أبواب، تناول الجمسى هزيمة يونيو 1967 والظروف السياسية العسكرية التى أدت إلى الهزيمة، ثم يتحدث عن عملية إعادة بناء القوات المسلحة ومرحلة الدفاع والصمود، والدفاع النشط، ثم حرب الاستنزاف، فى الباب الثالث يتحدث الجمسى عن حرب أكتوبر التى قدم تفاصيلها يوما بيوم فى هذه المذكرات، ويوضح مراحل التخطيط والإعداد للحرب، ويتحدث الجمسى عن الكشكول الذى قدمه للسادات ولحافظ الأسد عن أنسب التوقيتات للقيام بالعملية الهجومية، لاختيار التوقيت المناسب للطرفين، وتقوم الدراسة على دراسة الموقف العسكرى للعدو وللقوات المصرية والسورية.
ويقدم لنا الجمسى صورة عن الحرب يوما بيوم وتفصيلا لما دار فى أشهر معاركها كمعركة القنطرة شرق وعيون موسى.
حروب مصر فى أوراق قائد ميدانى
هى مذكرات اللواء عبدالمنعم خليل، الذى شارك فى الفترة بين 1948 وحتى حرب أكتوبر عام 1973 فى كل من حرب فلسطين وحرب اليمن والعدوان الثلاثى على مصر، ثم النكسة وحرب الاستنزاف، تولى خليل عددًا من المناصب العسكرية، حيث بدأ بمنصب قائد الكتيبة 53 مشاة وتدرج فى مناصبه العسكرية حتى تولى منصب قائد المنطقة المركزية العسكرية أثناء حرب أكتوبر 1973، ثم عين قائدًا للجيش الثانى الميدانى.
,بدأ اللواء عبدالمنعم خليل فى نشر مذكراته من خلال حلقات فى جريدة الأنباء الكويتية تحت عنوان «حروب مصر فى أوراق قائد ميدانى» عام 1989، وتولت دار المستقبل العربى نشر المذكرات فى كتاب بعد جمعها تحت نفس العنوان، ثم أعاد عبدالمنعم خليل كتابة مذكراته لتكون أوسع وأشمل وأعمق، وبالفعل نشرت مذكراته عن المكتبة الأكاديمية عام 1995، تحت عنوان «فى قلب المعركة»، وتعد مذكراته - البعيدة جدًّا عن الذاتية- مرجعًا مهما لحرب أكتوبر 1973. وما يزيد الكتاب أهمية هو عرض اللواء عبدالمنعم خليل لبعض الحقائق الهامة عن تاريخ الجيش الإسرائيلى ثانى أقدم الجيوش فى المنطقة بعد الجيش المصرى، وجمعت تلك الحقائق بتفصيلاتها فى أحد أبواب المذكرات بعنوان «إعداد القوى الصهيونية لإقامة دولة إسرائيل».
المعارك الحربية على الجبهة المصرية
الكتاب تأليف جمال حماد ويقع فى 14 فصلا و7 ملاحق، وهو واحد من أفضل الكتب التى قدمت تحليلا فنيا راقيا لحرب أكتوبر، قدم المؤرخ العسكرى اللواء أركان حرب جمال حماد ذلك الكتاب الذى يمثل مع كتابه «من سيناء إلى الجولان» موسوعة متكاملة عن حرب أكتوبر أمضى الرجل سنوات فى إعدادها، حيث قدم تحليلا فنيا لأعمال القتال التى خاضتها قواتنا بطول جبهة قناة السويس، مع شرح وافٍ لنقاط قوتها وضعفها على المستوى الاستراتيجى والتعبوى والتكتيكى.
فى الكتاب يجيب حماد عن واحد من الأسئلة المثيرة والغامضة عن حرب أكتوبر وهو سؤال: من وضع خطة حرب أكتوبر؟ أبرز ما جاء فى هذا الكتاب هو الرسائل المتبادلة بين جمال حماد والفريق الشاذلى حول جدوى سحب ألوية من الشرق للغرب وتأثير ذلك على توازن القوات المسلحة
وينقل لنا حماد بطريقة سينمائية رائعة ما الذى فى حدث فى الحرب تفصيليا وأدق تفاصيل الإعداد للحرب، ولماذا تم اختيار 6 أكتوبر لبدء الهجوم؟ ويعرض لنا الأداء الباهر لقواتنا فى صد الهجمات المضادة للعدو بطول الجبهة، ونجاحها فى تحقيق مهمتها التالية من توسيع رؤوس جسور فرق المشاة الخمس، بعمق يصل إلى نحو 10-12 كيلومتر، والاستعداد لصد الهجوم المضاد الرئيسى للعدو. ثم يستعرض حماد خطة السادات بتطوير الهجوم نحو خط المضايق الجبلية الاستراتيجية فى عمق سيناء «45-50 كيلومتر شرق القناة»، صباح يوم 14 أكتوبر 1973، وفشل قواتنا فى ذلك.
رحلة الساق المعلقة
صدرت مذكرات العميد عادل يسرى فى وقت مبكر بعد انتهاء الحرب، حيث نشرت عام 1974 عن دار المعارف تحت عنوان «رحلة الساق المعلقة من رأس العش إلى رأس الكوبري».
ويستهل «يسرى» مذكراته بمقدمة كتبها له المشير أحمد إسماعيل الذى توفى قبل نشر المذكرات، ويروى يسرى أنه تولى قيادة أحد ألوية الجيش المصرى أثناء حرب أكتوبر الملقب بـ«لواء النصر»، وقبل توليه لهذا اللواء كان قائدًا للكتيبة السابعة مشاة، والتى قامت باجتياز عدد من المعارك المشرفة فى حرب الاستنزاف منها معارك رأس العش والبلاح وغيرها، ويورد يسرى تفصيلًا لدور كتيبته فى تلك المعارك.
ويذكر أنه بعد فقدان اللواء عادل يسرى لساقه أثناء الحرب، حصل على وسام نجمة سيناء وهو أعلى وسام عسكرى مصري، كما اهتم بشأنه الغرب، خاصة بعد أن قررت مصر إرساله للعلاج فى ألمانيا الغربية، حيث قطع التلفزيون الألمانى إرساله ليعلن خبر عاجل عن وصول البطل المصرى عادل يسرى لتركيب ساق صناعية فى ألمانيا، حتى أطلقت عليه ألمانيا لقب «الجنرال الراقص»، حيث استطاع يسرى الرقص على ساق واحدة لمدة طويلة، ويشار إلى أن العميد عادل يسرى اختير نائبًا لرئيس الاتحاد الدولى للمحاربين القدامى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة