فى السادس من اكتوبر كل عام ، نتذكر ما فعله جيل الأبطال العظام الذين انتفضوا لرد الأرض ، واستعادة الكرامة ، مضحين بأرواحهم ودمائهم لتبقى مصر وتعيش وتظل قوية كما عهدناها ، عصية على الأزمات ، قادرة على صد العدوان ومواجهة المؤامرات ، التى تنسج وتحاك على مر العصور ، ولم تفلح فى هزيمة هذه الدولة العتيقة ، التى كانت دائما مثالا على الصمود والإصرار .
إن الكتابة عن حرب أكتوبر المجيدة والمعارك والانتصارات العسكرية التى حققها الجيش المصرى خلالها ، أمر فى غاية الصعوبة ، خاصة الأجيال التى لم تشهد هذه الحرب ، أو تشارك فيها ، فنحن نسمع قصصها وبطولاتها ونتناقل أخبارها من القادة العظام ، الذين كانوا على جبهة القتال ، بالإضافة إلى ما أنتجه الكتاب والمفكرون من تراث أدبى وثقافى عن هذه الحرب الخالدة ، التى غيرت الفكر العسكرى فى المدارس العسكرية فى العالم كله ، لما فيها من سوابق لم يشهدها التاريخ العسكرى ، كأن ينجح لنش صواريخ صغير فى إغراق مدمرة عملاقة حديثة ، وهذا ما حدث مع المدمرة الإسرائيلية " إيلات " ، أو كأن يقف مجند بقاذف " ار بى جى " محمول على الكتف فى مواجهة دبابة مجهزة وفق لأحدث التقنيات – فى ذلك التوقيت - ويدمرها ، بل وفى بعض الاحيان كانت تهرب الدبابات من قواذف الجنود.
ولعل ما يجب أن نستلهمه من روح أكتوبر ، هو الإرادة الحديدية التى يمتلكها هذا الشعب العظيم ، التى نجحت فى بناء كل ما تحطم وتهدم ، ولم تقف عند حدود الهزيمة ، وأصرت على البناء والوصول إلى الطريق الصحيح ، الذى يؤدى إلى النصر ، فتعاون الجميع ليستعيدوا كرامة مصر ، بداية من العامل والفلاح الذى قدم الابن والأخ والصديق ليحمل السلاح ويقاتل ليصنع النصر ، حتى الطبيب الذى تطوّع لخدمة المصابين ، والمهندس الذى قدّم أفكاره لإزالة أمتار الرمال بالمياه التى كونها العدو على الضفة الشرقية للقناة ، مرورا بالكاتب والمفكر ، الذى وقف إلى جوار قواته المسلحة ورفع من روحها المعنوية ونقل أخبارها ، ودعم خططتها ، وشدّ من عزم رجالها حتى تحققت المعجزة .
وعلى الرغم من اختلاف المشهد زمانا ومكانا ، فالحدود الآن مؤمنة والدولة مصانة بجيشها القوى الرادع ، على مختلف الاتجاهات الاستراتيجية ، إلا أننا نحتاج إلى روح أكتوبر الخالدة لدعم مصر الوطن ، مصر التاريخ ، مصر الانتصارات ، مصر الثورة ، مصر القوة ، مصر القادرة على تجاوز المحن بعزم رجالها وقدرة أبنائها على البذل والعطاء ، نحتاج روح أكتوبر التى توحد المصريين وتجمعهم على حب هذا الوطن ، نحتاج إلى مصر القادرة على تجاوز فكرة تخفيض الجنيه وارتفاع الأسعار ، إلى مصر القادرة على النهوض بالتعليم والصحة ، ومصر القادرة على دعم الفئات الفقيرة ومحدودى الدخل ، ومصر القادرة على ضبط الفوضى ومواجهة شياطين التخريب والإرهاب ، ومصر القادرة على الرقى بالفن والدراما وكل ما يعرض على الناس ، ومصر القادرة على استعادة دور الإعلام الواعى ، الذى يخدم التنمية ويدعم قدرة الناس على العمل والإنجاز .
روح أكتوبر ليست مجرد ذكريات وحكايات من دفتر النصر وسجل البطولة ، بل يجب أن تكون عنوانا عريضا لاستنهاض المصريين واستدعاء قدراتهم الذاتية ، نحو العمل والإنتاج ، فمصر الآن أحوج إلى هذه القدرات ، بعدما شقت الطرق وشيدت المطارات شرقا وغربا ، وحفرت القنوات ، وأقامت الموانئ ، واستصلحت الأراضى ، وجهزت المصانع ، وبقى الدور على البنائين الشباب ، ليصنعوا تاريخا جديدا لهذا البلد ، وتنمية حقيقية للأجيال القادمة ، ولا ينشغلوا بالواقع الافتراضى ، على صفحات التواصل الاجتماعى ، أو يسلموا أنفسهم لمن يبثون اليأس والكراهية ، فمصر تناديهم وروح أكتوبر تدعمهم وتؤكد لهم أن معادلة النصر ما هى إلا إيمان وعمل .
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة