كتبت هنا، أمس، وأمس الأول، عن تلك الحالة الغريبة من التساهل مع شركات الاتصالات، بما أضر بالمواطن والوطن، على حد سواء، وفى الحقيقة أنا لم أكن على علم تام بخفايا هذا القطاع ومدى الإهمال المتحقق فيه قبل أن تنشر وزارة الاتصالات تقريرها عن زيادة أعداد مشتركى التليفونات المحمولة، فقد صدمنى الرقم وهالنى مدى التساهل الذى تنتهجه الوزارة مع تلك الشركات، فى حين أنها وزارة فى حكومة تستقوى يوميا على الشعب، وتجلده بنار الأسعار وارتفاع الضرائب والجمارك وخفض الدعم بحجة عجز الميزانية، وفى الحقيقة ما كتبته أمس عن مقدار الهدر الواقع فى قطاع الاتصالات وحده والذى قدرته بـ100 مليار جنيه يؤكد أن العجز ليس فى «الميزانية» وإنما فى الضمائر والقلوب والذمم، العجز فى شعب يدفع وهو صامت ولا يسلك المسالك القانونية للشكوى حتى النهاية، العجز فى نواب شعب لم يهتموا بشىء سوى ختان البنات وغشاء البكارة والعجز الجنسى ومعاداة الشباب، والوقوف بكل خسة فى جانب نهب الشعب، ليبقى الشعب فى النهاية «أعزل» فى مواجهة مسؤولين متقاعسين، وشركات جباية تحتكر السوق بما يشبه عقود الاستعباد.
ستقول لى، وما الذى يضمن أن يكون كلامك صحيحا؟ وسأقول لك، إن الوقائع تؤكد هذا الكلام، وإن مصر لا تعيش فى العالم بمفردها، وقد ضربت أمس مثالا بتونس التى يبلغ عدد سكانها 10 ملايين مواطن وتخدمهم 3 شركات محمول، كما أن واقعة انتهاء فترة الحماية التى وفرتها الحكومة لآخر شركة منحتها تصريحا انتهت بالفعل فى العام 2009 فما الذى منع حكومات مصر المتتالية من البحث عن مواردها الضائعة؟ وما الذى كبل يد صناع القرار عن الاستفادة من هذه الموارد الكبرى، فى حين أنهم لا يتورعون عن تحميل المواطن كل الأعباء، وما الذى منع مصر التى تمر الآن بمرحلة افتقار شديد للعملة الصعبة من أن تعلن عن طرح ترخيص أو ترخيصين أو حتى ثلاثة لشركات محمول جديدة على السوق المصرى، وأن تشترط أن يتم تحصيل مقابل هذه التراخيص بالعملة الصعبة؟ أو ليس هذا فى صالح الوطن والمواطن؟ أوليس هذا خير لنا من أن نمد أيدينا للعدو والصديق؟ أليس هذا أفضل من أن نكبل السوق بسياسات مصرفية خانقة؟ أو ليس هذا أفضل من رفع الدعم عن الكهرباء والوقود وزيادة الجمارك والرسوم؟
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة