نقلا عن العدد اليومى..
محمد البديوى
لم يكن انتصار مصر فى حرب 1973 مجرد انتصار سياسى، أو عسكرى، إنما كان انتصارا فى مواجهة الظروف المعاكسة، وضعف التنمية، وتراجع مستوى المعيشة، وتعنت وحصار اقتصادى من دول الغرب والولايات المتحدة.. كان انتصارا للإرادة فى مواجهة الانكسار، وللقوة فى مواجهة الضعف، وللتحدى فى مواجهة محاولات الخضوع من قبل آخرين.
لكن لا يمكن النظر إلى اقتصاد فترة 1973 وما بعدها بمعزل عن السنوات التى سبقتها، فالاقتصاد المصرى كان يتجه بخطى واثقة -حتى لو كانت بطيئة- إلى الأمام، وحقق نموا حقيقيا زاد على 6% بحلول عام 1965، وارتفع معدل الاستثمار إلى 17.8% من الناتج المحلى بدلا من 12.5 فى نهاية الخمسينيات، وزاد نصيب الصناعة فى الصادرات إلى 25 % بدلا من 18%، وزادت العمالة الصناعية خلال هذه السنوات بأكثر من ضعف الزيادة فى إجمالى القوى العاملة، وهى زيادة لم يعرفها الاقتصاد المصرى منذ محمد على.
غير أنه فجأة بدأت القروض الأجنبية والمعونات تنقطع فجأة، وهو ما يمثل 1/5 الاستثمارات، ومما زاد الطين بلة، وقضى على طموحات وتجربة التنمية، وأدى إلى انتكاسة الاقتصاد، حرب 67 التى فرضت على مصر منحنى وطريقا غير الذى كانت تخططه لأن تسلكه.
يحكى الدكتور جلال أمين فى كتابه «قصة الاقتصاد المصرى» تفاصيل هذه الفترة وملابساتها، حيث ترتب على هزيمة 1967 انخفاض شديد فى موارد العملات الأجنبية، مما جعل الاستمرار فى معدل نمو مرتفع مع تحمل أعباء الإنفاق العسكرى استعدادا لحرب جديدة أمرا فى حكم المستحيل.
بقيام الحرب فقدت مصر آبار البترول فى سيناء، وخربت معامل تكرير البترول فى السويس، وأغلقت قناة السويس التى كانت تدر لمصر فى المتوسط سنويا 164 مليون دولار فى السنوات الـ7 قبل الحرب، وإضافة إلى ذلك انخفاض كبير فى إيرادات السياحة التى كانت تدر نحو 100 مليون دولار، فضلا عن الإنفاق الذى فرضه تهجير نحو مليون شخص من قناة السويس، والتكلفة الاقتصادية الضخمة.
كان أمام الرئيس جمال عبدالناصر، كما يروى جلال أمين، واحد من بدائل ثلاثة، إما أن يضحى بالإنفاق العسكرى ويقبل الهزيمة والصلح وأى عرض للتسوية، فى سبيل الاستمرار فى التسوية، أو أن يضحى بـ«التنمية والحرب»، فى سبيل رفع معدلات الاستهلاك، أو أن يضحى بالاستمرار فى التنمية مع السماح بالحد الأدنى من الزيادة فى الاستهلاك، فى سبيل الاستعداد للمعركة المقبلة، وهو الخيار الذى لم يكن لسواه بديل، ولا لغيره ملجأ أو طريق.
ولم تكن الدول الغربية لتقبل بالعودة لسابق عهدها بمد مصر بالقروض والمعونات التى تحتاجها، إذا لم تقبل مصر سلاما غير مشرف مع إسرائيل، والتخلى عن سياسة حماية الصناعة المصرية وتقييد الواردات.
وواجهت مصر فى أعقاب 67 ظروفا سياسية واقتصادية بالغة القسوة والخطورة، وحتى المعونات والمنح العربية المقدرة بـ286 مليون دولار سنويا، كانت تضيع فى خدمة الديون على مصر التى حان موعد استحقاقها، والبالغة أقساطها المستحقة الدفع سنويا نحو 240 مليون دولار، وكان من الطبيعى أن ينخفض معدل النمو فى الحرب إلى 3 %، وتتدهور المرافق العامة والبنية الأساسية، ويتراجع مستوى المعيشة وتنخفض الأجور، ويتدهور ميزان المدفوعات، ورغم ذلك فإنه حتى وفاة عبدالناصر لم تتجاوز ديون مصر المدنية 1 مليار و300 مليون دولار، وهى نسبة لا تتجاوز 25 % من الناتج الإجمالى القومى.
وسط كل هذه الظروف السياسية والاقتصادية الحالكة السواد، ومع ارتفاع الديون الخارجية لمصر لتتجاوز 5 مليارات دولار خلال السنوات الثلاث الأولى من السبعينيات، وتراجع الصادرات، لم يكن أمام مصر سوى خيار واحد، هو الحرب فى مواجهة المستحيل والانكسار.
فى هذا الملف، تقرأ ملحمة مشاركة المصريين فى التحدى.. كيف أدارت الدولة اقتصاد الحرب.. وكيف تلاحمت وتناغمت إرادة الشعب مع الإرادة السياسية ومع القوات المسلحة.. وكيف شارك الشعب بأكمله فى انتصار 1973.
لم يكن انتصار مصر فى حرب 1973 مجرد انتصار سياسى، أو عسكرى، إنما كان انتصارا فى مواجهة الظروف المعاكسة، وضعف التنمية، وتراجع مستوى المعيشة، وتعنت وحصار اقتصادى من دول الغرب والولايات المتحدة.. كان انتصارا للإرادة فى مواجهة الانكسار، وللقوة فى مواجهة الضعف، وللتحدى فى مواجهة محاولات الخضوع من قبل آخرين.
لكن لا يمكن النظر إلى اقتصاد فترة 1973 وما بعدها بمعزل عن السنوات التى سبقتها، فالاقتصاد المصرى كان يتجه بخطى واثقة -حتى لو كانت بطيئة- إلى الأمام، وحقق نموا حقيقيا زاد على 6% بحلول عام 1965، وارتفع معدل الاستثمار إلى 17.8% من الناتج المحلى بدلا من 12.5 فى نهاية الخمسينيات، وزاد نصيب الصناعة فى الصادرات إلى 25 % بدلا من 18%، وزادت العمالة الصناعية خلال هذه السنوات بأكثر من ضعف الزيادة فى إجمالى القوى العاملة، وهى زيادة لم يعرفها الاقتصاد المصرى منذ محمد على.
غير أنه فجأة بدأت القروض الأجنبية والمعونات تنقطع فجأة، وهو ما يمثل 1/5 الاستثمارات، ومما زاد الطين بلة، وقضى على طموحات وتجربة التنمية، وأدى إلى انتكاسة الاقتصاد، حرب 67 التى فرضت على مصر منحنى وطريقا غير الذى كانت تخططه لأن تسلكه.
يحكى الدكتور جلال أمين فى كتابه «قصة الاقتصاد المصرى» تفاصيل هذه الفترة وملابساتها، حيث ترتب على هزيمة 1967 انخفاض شديد فى موارد العملات الأجنبية، مما جعل الاستمرار فى معدل نمو مرتفع مع تحمل أعباء الإنفاق العسكرى استعدادا لحرب جديدة أمرا فى حكم المستحيل.
بقيام الحرب فقدت مصر آبار البترول فى سيناء، وخربت معامل تكرير البترول فى السويس، وأغلقت قناة السويس التى كانت تدر لمصر فى المتوسط سنويا 164 مليون دولار فى السنوات الـ7 قبل الحرب، وإضافة إلى ذلك انخفاض كبير فى إيرادات السياحة التى كانت تدر نحو 100 مليون دولار، فضلا عن الإنفاق الذى فرضه تهجير نحو مليون شخص من قناة السويس، والتكلفة الاقتصادية الضخمة.
كان أمام الرئيس جمال عبدالناصر، كما يروى جلال أمين، واحد من بدائل ثلاثة، إما أن يضحى بالإنفاق العسكرى ويقبل الهزيمة والصلح وأى عرض للتسوية، فى سبيل الاستمرار فى التسوية، أو أن يضحى بـ«التنمية والحرب»، فى سبيل رفع معدلات الاستهلاك، أو أن يضحى بالاستمرار فى التنمية مع السماح بالحد الأدنى من الزيادة فى الاستهلاك، فى سبيل الاستعداد للمعركة المقبلة، وهو الخيار الذى لم يكن لسواه بديل، ولا لغيره ملجأ أو طريق.
ولم تكن الدول الغربية لتقبل بالعودة لسابق عهدها بمد مصر بالقروض والمعونات التى تحتاجها، إذا لم تقبل مصر سلاما غير مشرف مع إسرائيل، والتخلى عن سياسة حماية الصناعة المصرية وتقييد الواردات.
وواجهت مصر فى أعقاب 67 ظروفا سياسية واقتصادية بالغة القسوة والخطورة، وحتى المعونات والمنح العربية المقدرة بـ286 مليون دولار سنويا، كانت تضيع فى خدمة الديون على مصر التى حان موعد استحقاقها، والبالغة أقساطها المستحقة الدفع سنويا نحو 240 مليون دولار، وكان من الطبيعى أن ينخفض معدل النمو فى الحرب إلى 3 %، وتتدهور المرافق العامة والبنية الأساسية، ويتراجع مستوى المعيشة وتنخفض الأجور، ويتدهور ميزان المدفوعات، ورغم ذلك فإنه حتى وفاة عبدالناصر لم تتجاوز ديون مصر المدنية 1 مليار و300 مليون دولار، وهى نسبة لا تتجاوز 25 % من الناتج الإجمالى القومى.
وسط كل هذه الظروف السياسية والاقتصادية الحالكة السواد، ومع ارتفاع الديون الخارجية لمصر لتتجاوز 5 مليارات دولار خلال السنوات الثلاث الأولى من السبعينيات، وتراجع الصادرات، لم يكن أمام مصر سوى خيار واحد، هو الحرب فى مواجهة المستحيل والانكسار.
فى هذا الملف، تقرأ ملحمة مشاركة المصريين فى التحدى.. كيف أدارت الدولة اقتصاد الحرب.. وكيف تلاحمت وتناغمت إرادة الشعب مع الإرادة السياسية ومع القوات المسلحة.. وكيف شارك الشعب بأكمله فى انتصار 1973.
- الشعب يكتتب بــ7 ملايين جنيه فى "سندات الجهاد".. وبدء إنتاج السيارة "نصر 125" والإعلان عن مشروعات مترو الأنفاق وتنفيذ خط أنابيب البترول "السويس - الإسكندرية"
كتبت - دانة الحديدى
لم يكن عام 1973 عاما عاديا فى حياة المصريين، ومع بدء العد التنازلى لمعركة الانتصار، بدأت الحكومة برئاسة الدكتور عزيز صدقى، رئيس الوزراء فى ذلك الوقت، فى تطبيق خطة اقتصادية تهدف إلى ترشيد الإنفاق الحكومى، لتوجيه الناتج لصالح القوات المسلحة، حيث تم تشكيل اللجنة العليا للمعركة، لتحديد الإجراءات المطلوب تطبيقها فى جميع المجالات استعدادا للحرب، والتى أعلنت فى 19 يناير من العام نفسه تخصيص مليار جنيه سنويا للقوات المسلحة.
وعلى الرغم من حالة الحرب التى كانت تعيشها مصر على مدى 7 سنوات، واحتلال جزء واسع من أراضيها، فإن الاقتصاد المصرى فى مطلع عام 1973 كان يشهد حالة من الاستقرار، وهو ما يظهر فى البيانات التى أعلنها أحمد زندو، محافظ البنك المركزى، ونشرت فى جريدة «الأخبار» بتاريج 14 يناير 1973، والتى أكد فيها سداد مصر جميع التزاماتها الدولية بموعدها.
كذلك ارتفع إجمالى ودائع البنوك إلى 400 مليون جنيه، بينها 27 مليون جنيه شهادات استثمار عائلى، كما لم تتجاوز زيادة أسعار السلع الاستهلاكية 2% بالنسبة للجملة و4% للقطاعى، وبتاريخ 16 يناير أعلنت وزارة التخطيط وضع خطة تستهدف زيادة الدخل القومى 6%، ليصل إلى 6206 ملايين جنيه، مع الاستثمار فى عدد من المشروعات التنموية، على رأسها تخصيص 100 مليون جنيه للتعاقد على تنفيذ مشروع مترو الأنفاق لمدة تصل لـ10 سنوات، واعتماد 50 مليون جنيه لمشروعات القطاع الخاص.
إلا أنه بتاريخ 11 فبراير 1973، أعلن الدكتور عزيز صدقى، رئيس الوزراء، أمام مجلس الشعب، ما أسماه بـ«ميزانية المعركة»، وهى إجراءات التعبئة الاقتصادية التى سيتم تطبيقها فى حال نشوب الحرب، وتتمثل فى تحويل الموازنة العامة إلى موازنة المعركة لتوفير جميع طلبات القوات المسلحة خلال الحرب، مع الحفاظ على سرية البيانات الخاصة بالجيش، وتمويل كل المتطلبات الناتجة عن الحرب، مثل المتطلبات الصحية، والتهجير، والأمن، والنقل، والمواصلات، كذلك إعادة النظر فى خطة التصدير والاستيراد لتوفير النقد الأجنبى، مع العمل على إحلال المنتجات المحلية بديلا للمستوردة، وتخفيض الاستثمارات مع تأجيل تنفيذ المشروعات التنموية الطويلة الأجل التى ليس لها مردود فى العام نفسه، أو لا علاقة لها بالمعركة، كذلك إجراء تخفيض جديد فى أنواع الإنفاق بالمصالح الحكومية والقطاع العام، ويشمل خفض اعتمادات السفر والانتقالات، ومصروفات الأعياد والمواسم، ومصروفات الأوسمة والجوائز. وبتاريخ 12 مارس نشرت جريدة «الأخبار» تفاصيل أخرى لترشيد الإنفاق بالمصالح الحكومية والقطاع العام، استعدادا لنشوب الحرب، وهى خفض الاعتمادات المخصصة للمياه والإنارة والانتقالات، سواء بالسكك الحديدية أو بوسائل النقل الأخرى بنسبة 10%، وخفض اعتمادات الدعاية والإعلان والحفلات بنسبة 25%، وتخفيض الاعتمادات المخصصة للأعياد والمواسم بنسبة 75%، وتشمل خطة ترشيد الإنفاق أيضا مراجعة اعتمادات الصيانة للمرافق التابعة لوزارات الرى والإسكان والبترول وهيئة البريد، على أن تلتزم تلك الجهات بتحقيق خفض إضافى فى المصروفات الخاصة بمستلزمات الشراء 2%، و5% لمستلزمات التشغيل، مع مراجعة جميع المشروعات الاستثمارية المذكورة بموازنة المالية لعام 1973، وتأجيل أى مشروعات لا تخدم المعركة. ثم جاء الانتصار يوم السادس من أكتوبر 1973، عندها طرحت الحكومة المصرية «سندات الجهاد»، وهى شهادات استثمارية الهدف منها دعم الدولة والقوات المسلحة فيما يخص الحرب والمتطلبات الناتجة عنها، وتم طرحها للمواطنين، تحت شعار «شارك فى ملحمة النضال الوطنى»، فى البنك المركزى وفروعه وجميع البنوك التجارية وفروعها، وتضمنت الفئات المالية «50 قرشا، جنيها واحدا، 5 جنيهات، 10 جنيهات، 100 جنيه»، بفائدة 4.5% سنويا ومعافاة من الضرائب، كما لا يجوز الحجز عليها، ويمكن الاقتراض بضمانها من البنوك، وبلغت حصيلة تلك السندات بعد شهر واحد فقط من بدء الحرب 7 ملايين جنيه، وفى وقت لاحق من العام نفسه أعلنت الحكومة أن الاكتتاب فى «سندات الجهاد» إجبارى، باستثناء محدودى الدخل من المواطنين، ولم تكن «سندات الجهاد» هى المشاركة الوحيدة للمواطنين فى دعم القوات المسلحة، حيث أعلنت وزارة المالية بتاريخ 18 نوفمبر زيادة الإيرادات الضريبية بمصلحة الضرائب بواقع 23.5 مليون جنيه على عام 1972، ليصل إجمالى الحصيلة الضريبية لـ150 مليون جنيه، وهو ما أرجعته الوزارة إلى إقبال المواطنين على دفع المستحقات الضريبية الخاصة بهم بدافع الوطنية.
وبنهاية عام 1973، وتحديدا بتاريخ 20 ديسمبر، أعلن الدكتور عبدالعزيز حجازى، نائب رئيس الوزراء ووزير المالية، فى بيان له أمام مجلس الشعب حول الموازنة المالية لعام 1974، أن الدولة دعمت القوات المسلحة بالموازنات المالية منذ عام 1967 وحتى عام 1973 بحوالى 5 مليارات جنيه، بينها 760 مليون جنيه خلال حرب أكتوبر، تم تخصيصها للقوات المسلحة والدفاع المدنى والطوارئ، موضحا أن الموازنة الخاصة بعام 1974، التى أطلق عليها «ميزانية التضحية والأمل»، تبلغ 5981 مليون جنيه، مقابل 4808 ملايين لعام 1973، وتم تخصيص 25 مليون جنيه علاوات للعاملين بالحكومة رغم ظروف الحرب، مع تخصيص 564 مليون جنيه لمشروعات التنمية.
اللافت للنظر أنه على الرغم من حالة الحرب المستمرة على مدى 7 سنوات، شهد عام 1973 عددا من المشروعات الصناعية الطموحة، على رأسها بدء إنتاج السيارة «نصر 125» بمصانع النصر للسيارات، والإعلان عن مشروعات تنموية مثل مترو الأنفاق، وتنفيذ خطوط أنابيب بترولية لنقل البترول من السويس للإسكندرية، وإنشاء 8 محطات كهرباء بتكلفة 10 ملايين جنيه، للحد من مشكلات انقطاع الكهرباء.
وعلى صعيد الدعم العربى، فبجانب الدور المعروف الذى لعبته الدول العربية المنتجة للبترول فى قطع البترول عن الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، كنوع من الضغط عليها اقتصاديا فى ظل دعمها لإسرائيل، قرر المجلس الاقتصادى العربى فى ديسمبر 1973 تأسيس البنك العربى الأفريقى، لدعم الاقتصاد العربى خلال الحرب وبعدها.
- ترشيد الاستيراد والالتفاف حول الرئيس أسسا نجاح «اقتصاد الحرب».. إسماعيل حسن: الإجراءات التى اتخذتها مصر تصلح للاستخدام الأن
كتب - أحمد يعقوب
قال إسماعيل حسن، محافظ البنك المركزى المصرى الأسبق، رئيس مجلس إدارة بنك مصر إيران للتنمية، إن إصلاح الأوضاع الاقتصادية الحالية يكمن فى التفاف جميع شرائح المجتمع والمواطنين حول القيادة السياسية، والوقوف بجانب الرئيس عبدالفتاح السيسى، لزيادة العمل والإنتاج، مؤكدًا أن الجميع لابد أن يدرك أننا فى أزمة، والأزمات تتطلب إجراءات صارمة للخروج منها فى أسرع وقت ممكن، وهو ما حدث فى أثناء فترة حرب 1973، حيث العمل والاتحاد لتجاوز الأزمة، وهو ما يعزز مفهوم «اقتصاد الحرب» حاليًا فى الفترة الحرجة التى تمر بها مصر اقتصاديًا.
وأضاف محافظ البنك المركزى المصرى الأسبق، رئيس مجلس إدارة بنك مصر إيران للتنمية، فى تصريحات خاصة لـ«اليوم السابع»، أن الإجراءات التى اتخذتها مصر فى اقتصاد حرب 1973 تصلح للاستخدام الآن، وتشمل الالتفاف حول القيادة السياسية، وزيادة العمل والإنتاج، والنمو فى الناتج المحلى الإجمالى لمصر، إلى جانب ترشيد الاستيراد من الخارج، والاتجاه لتشجيع شراء المنتج المحلى بدلًا من الطلب على المنتجات المستوردة التى تدعم اقتصاديات الدول الأخرى.
وأكد محافظ البنك المركزى المصرى الأسبق، رئيس مجلس إدارة بنك مصر إيران للتنمية، أن ترشيد الاستيراد، وتفعيل دور المجتمع المصرى فى ذلك بشراء المنتجات المصرية المحلية الصنع أسهما فى تعزيز التنافسية، وزيادة الإنتاج نتيجة الطلب، وتشجيع المصانع على العمل فى بيئة تنافسية تصب فى صالح الاقتصاد المصرى والمواطن.
ولفت محافظ البنك المركزى المصرى الأسبق إلى أن الاقتصاد المصرى متنوع فى قطاعاته الإنتاجية، وقادر دائمًا على تجاوز التحديات، مؤكدًا أن الإجراءات الإصلاحية التى تنفذها الحكومة فى الوقت الحالى إيجابية للغاية، وتضع الاقتصاد المصرى على الطريق الصحيح، بتعزيز ثقة الاستثمار الأجنبى المباشر فى مصر، إلى جانب إصلاح الأوضاع المالية العامة، وتجاوز المشكلات الاقتصادية الهيكلية التى يعانى منها الاقتصاد حاليًا.
وقال محافظ البنك المركزى المصرى الأسبق: «على المنتجين رفع معدلات إنتاجهم، والعمل على تطوير تلك المنتجات، حتى نعمل على ترشيد استخدامات النقد الأجنبى الذى يستخدم فى الاستيراد، ولتصبح المنتجات المصرية أكثر تنافسية فى مواجهة الإنتاج الأجنبى، ويجب أن نعمل على تطوير المنتج المحلى وجعله منافسًا لأن ذلك يرشد الاستيراد من الخارج».
وتابع حسن: «علينا جميعًا أن ندفع الثمن الآن لإصلاح الاقتصاد، بدلًا من أن تتفاقم الأزمة وندفع الثمن باهظًا فى المستقبل، ويجب أن نتحمل أزمة ارتفاع سعر صرف الدولار أمام الجنيه فى السوق السوداء لأشهر معدودة، ويجب أن نكثف الجهد الجماعى على جميع المستويات لعلاج الأزمة».
- تعرف على أسعار السلع عام النصر.. إضراب عام عن شراء اللحوم بعد ارتفاع سعر الكيلو لـ65 قرشا.. الذهب عيار 21 يسجل أعلى ارتفاع له بسعر 185 قرشاً للجرام.. وأزمات الاقتصاد الأمريكى تخفض سعر الدولار 18%
كتبت - دانة الحديدى
شهد مطلع عام 1973 ارتفاعا غير مسبوق فى أسعار اللحوم، حيث وصل سعر الكيلو لـ65 قرشا، وهو ما دفع إلى تنظيم مقاطعة شعبية للجزارين، بدأت فى محافظة بنى السويف، عندما توقفت ربات المنازل عن شراء اللحوم بدعم من الجمعيات النسائية لمدة 15 يوما، وبنجاح وصل إلى 95%، مما سبب خسائر فادحة للجزارين.
نجاح تلك المبادرة الشعبية انتقل إلى المحافظات الأخرى، على رأسها الإسكندرية ثم القاهرة، حيث أعلن أمين العاصمة سيد زكى فى مارس من العام نفسها تنظيم مقاطعة للحوم بالاشتراك مع التنظيم النسائى و1600 جمعية، خاصة أن القاهرة تستهلك 40% من إنتاج اللحوم، كما أن كيلو اللحم وصل سعره فى بعض الأحياء إلى 120 قرشا، وطلب من المؤسسات الغذائية مضاعفة إنتاجها من المواد الغذائية البديلة، على رأسها الأسماك التى تم طرحها كبديل عن اللحوم لرخص أسعارها، حيث تراوح سعر الكيلو بين 16 و25 قرشا، فى الوقت الذى بلغ فيه سعر كيلو الدجاج البلدى 40 قرشا.
ولم يقتصر ارتفاع الأسعار على اللحوم فقط، بل امتد إلى أسعار السلع الغذائية الأخرى، على رأسها الخضروات، حيث نشرت جريدة «الأخبار» فى عددها الصادر بتاريخ 14 مارس 1973، تحقيقا صحفيا أكدت فيه ارتفاع أسعار الخضروات بشكل جنونى، ووصل سعر كيلو الطماطم 25 قرشا، والكوسة ارتفعت من قرشين إلى 12 قرشا، والفاصوليا والبسلة ارتفع سعر الكيلو تدريجيا من 25 إلى40 مليما ثم إلـى 110 ملاليم، كما بلغ سعر السكر 25 قرشا للكيلو، والشاى 26 مليما للعبوة 100 جرام.
أما بالنسبة لأسعار الذهب، ففى مطلع عام 1973 بلغ سعر الجنيه الذهب 1050 قرشا، فيما بلغ سعر «عيار 21» 133 قرشا، و«عيار 18» 114 قرشا، وبلغت أسعار الذهب أعلى ارتفاع لها خلال شهر نوفمبر من العام نفسه، نظرا للاضطراب الذى شهده الاقتصاد العالمى نتيجة انخفاض سعر الدولار، وتوقف إمداد الدول الغربية بالنفط العربى، وبلغ سعر الجنيه الذهب 1475 قرشا، ووصل سعر «عيار 21» لـ183 قرشا، و157 قرشا لعيار 18، قبل أن تستقر أسعار الذهب نهاية العام عند 1375 قرشا للجنيه، و172 قرشا لعيار 21، و147 قرشا لعيار 18.
وفيما يتعلق بالدولار، tشهد مطلع عام 1973 أزمة اقتصادية كبرى بالولايات المتحدة الأمريكية، تسببت فى خفض قيمة الدولار رسميا بنسبة 18%، وهو ما دفع منظمة الأوبك لرفع سعر البترول 6% لمواجهة انخفاض الدولار، إلا أن تدهور سعر الدولار عالميا لم يؤثر بشكل بالغ على الجنيه المصرى، نظرا لمنعه من التداول خارج مصر فى ذلك الوقت، لكن ذلك لم يمنع اتخاذ البنك المركزى المصرى خلال شهر فبراير عددا من الإجراءات للتخلص من الدولار وتحويله لأرصدة أخرى داخل البنك، فى ظل توقعات بانخفاض حاصل صادرات مصر من القطن والمواد الخام 10%، بسبب الاحتكارات الدولية بالخارج للمواد الخام.
- كيف أسهم القطاع العام فى تأمين الجبهة الداخلية خلال حرب أكتوبر؟.. اللواء على صبرى: رفع شعار «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة»
كتب - عبدالحليم سالم
كانت الحرب على الجبهة، وكان القطاع العام فى حرب إنتاج داخلية، أهلته لتوفير احتياجات المعركة، واحتياجات الشعب المصرى وقتها، بل والتصدير للخارج لتوفير العملة الصعبة، وكان عدد السكان وقتها 34 مليون مواطن فقط فى أكتوبر 1973.
كانت بيجامات المحلة المقلمة أزرق وبنى فى كل بيت، وثلاجات إيديال وسخانات المصانع ومنتجات قها عبر منافذ صيدناوى وبنزايون وعمر افندى وهانو وبيع المصنوعات.
وقت الحرب لم يتغيب عامل عن شركته أو مصنعه، لم يحصل عامل على إجازة عيد الفطر، الكل كان فى معركته الداخلية، تزامنا مع معركة الانتصار.
فى البداية يقول اللواء على صبرى، وزير الإنتاج الحربى الأسبق، عضو مجلس إدارة الشركة القابضة للصناعات الكيماوية حاليا، إن القطاع العام وقت الحرب وقبلها قام بجهد كبير لتغذية القوات المسلحة بما تحتاجه فى مجالات الأغذية والملابس، نظرا لما كان يفرض على مصر من إجراءات من بعض دول العالم وقتها.
وقال على صبرى: كانت الشركات تخضع للقانون 48 وليس 203 قانون قطاع الأعمال الحالى، وكانت تبذل جهودا جبارة، بهدف تلبية احتياجات الشعب والجيش تحت شعار «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة».
ولفت إلى أن القطاع العام كان يصدر المنتجات الزراعية والغذائية، مثل القطن والخضر والفاكهة للاتحاد السوفيتى ودول أوروبا الشرقية، فى حين كان الاستيراد منصبا على الأسلحة من الاتحاد السوفيتى، لأن الاقتصاد وقتها لم يكن منفتحا مثل الفترات الحالية.
وأشار إلى أن «العمل تواصل خلال فترة الحرب، وحتى يوم عيد الفطر لم يحصل أحد على إجازة، علاوة على انتظام العمل، تزامنا مع الحرب بحسب معلوماتى وقتها، حيث كنت أحارب على الجبهة وقتها، وكان الانتظام قبل الحرب بل يكاد يكون قبل الحرب بسنتين».
صادرات مصر فى أمريكا
الدكتور رشاد عبده، رئيس المنتدى المصرى للدراسات الاقتصادية، يقول إن القطاع العام تقريبا كان يحارب فى الداخل، والجيش يحارب على الجبهة، وكانت شركة المحلة توفر الملابس جميعها، خاصة المقلم الأزرق والمقلم البنى، وكانت تصدر لأمريكا، وكانت شركات الغزل والنسيج متميزة جدا مثل الشوربجى والمحلة وشبين الكوم وغيرها.
وأشار عبده إلى إن أساس الشركات كان توفير الكساء بغض النظر عن الربح، ومع ذلك كانت شركات قها وأدفينا توفر العصائر والمعلبات بأسعار 7 قروش للعبوة، نظرا لضعف الرواتب وقتها، وكانت بدلة المحلة تباع بـ12 جنيها، والبدلة التشكيى تباع بـ17 جنيها، والقميص بـ3 جنيهات.
أيضا كانت شركات الأدوية والصلب والسيارات، وكل القطاع العام تقريبا، كان مسخرا لخدمة الشعب، وأيضا كان يصدر لتوفير العملة الصعبة، وقتها كان الدولار بـ84 قرشا، وكانت السيارة نصر بـ3800 جنيه، والسيات بـ2800 جنيه، وكله بالحجز.
وقال الدكتور رشاد عبده: خلال عملى فى أحد بنوك أمريكا دخلت أحد المتاجر لشراء ملابس كانت غالية الثمن، فقال لى البائع الأمريكى إنها صناعة مصرية، وقتها كم كنت فخورا بصناعة بلدى التى تدهورت حاليا رغم تعيين وزير مختص لقطاع الأعمال العام.
يضيف: كانت الصناعة المصرية فخرا للعالم، ثلاجات إيديال، وسخان المصانع، وإطارات نسر، الآن تدهورت بشكل كبير رغم الانفتاح الاقتصادى، متسائلاً: أين ذهبت «باتا» و«سافو» وغيرهما من المنتجات؟
وأشار إلى أن القطاع العام كان متخما بالعاملين، لأن أيام عبدالناصر كان كل خريج يأتى له الجواب الأزرق للتعيين فى أى شركة أو مؤسسة، وبالتالى كان العمال والموظفون أعدادهم كبيرة للغاية، لأن الهدف كان القضاء على البطالة، وإتاحة الفرصة للشباب للمعيشة.
وقال رشاد عبده إن القطاع العام نجح فى مهمته فى تأمين الجبهة الداخلية، وتحمل أعباء كبيرة، ظهرت بعد ذلك من خلال مديونية بلغت نحو 33 مليار جنيه، تمت تسويتها فيما بعد من خلال بيع الأراضى ودخول البنوك كشركاء.
عمل بدون إجازات حتى فى العيد
من جانبه يقول محسن الجيلانى، رئيس الشركة القابضة للقطن والغزل والنسيج السابق، والذى كان يعمل موظفا بشركة مصر شبين الكوم للملابس أيام حرب أكتوبر: إننا كنا نعمل منذ السابعة صباحا، ونتأخر فى العمل أيام المعركة، وكنا نضاعف الجهود، بل إننا لم نحصل على إجازة عيد الفطر سنة 1973.
وقتها- كما يقول محسن الجيلانى- واصلنا العمل بجهود مضاعفة، تزامنا مع حالة الفرحة العارمة للانتصار والعبور.
يضيف الجيلانى: كانت شركة مصر شبين الكوم أشهر من شركة المحلة، وأغنى منها، كانت تصدر لأوروبا الشرقية، وتنتج للداخل، لكن كان الزمان غير الزمان، والاقتصاد وقتها كانت اقتصادا شموليا، وكان القطاع العام هو الذى يحارب فى الداخل.
وحول الصعوبات التى واجهت الشركات نتيجة حصار بعض الدول لمصر ومنع الصادرات، قال: كنا نعانى كثيرا من عدم توفر قطع الغيار، وبالتالى لجأنا إلى تصنيع بديل محلى لها بالإصرار، وكانت الشركات توفر احتياجات الشعب وتصدر وتربح، رغم الظروف الصعبة، وكان عدد السكان نحو 34 مليونا فقط.
وأشار محسن الجيلانى إلى أن المنظومة كانت مختلفة، «كنا نحصل على القطن رخيصا، فكل الشركات تكسب بسبب ذلك، وكنا نبيع العوادم اغلى من سعر القطن نفسه، وحتى الإنتاج السيئ كان يتم بيعه ويحقق أرباحا».
خلال أيام الحرب- بحسب محسن الجيلانى- لم يتغيب عامل عن مصنعه، والكل كان يضاعف الجهود، كانت الحرب على الجبهة وداخليا أيضا، وكنا نطبق أكثر من وردية أحيانا، مشيرا إلى أن قطاع الغزل والنسيج ظل فى حالة نشاط حتى عام 91، وكنا نوفر الملابس ونصدر للخارج، أيضا مختلف الصناعات كانت فى حالة نشاط كبير، لكن الأوضاع تغيرت وبتنا ننتج ثلث احتياجاتنا فقط ونستورد الثلثين.
الحديد والصلب ودعم المدرعات
فى السياق نفسه، يقول المهندس محمود سوريال، رئيس قطاع بشركة الحديد والصلب أيام حرب أكتوبر: إن العمل انتظم فى الشركة بنظام 3 ورديات يوميا، وأحيانا كنا نطبق العمل من 7 صباحا إلى 7 مساء للوفاء بجميع الاحتياجات الخاصة بالمصانع الحربية، لتلبية احتياجات الجبهة، وأيضا للداخل رغم الصيام والتعب.
وأشار إلى أن عدد العمال فى الشركة كان حوالى 26 ألف عامل، وحاليا نحو 9 آلاف فقط، لافتا إلى أن الشركة كانت تنتج 1.2 مليون طن سنويا، وبفرنين فقط وليس 4 أفران.
وقال سوريال: «كان العمال يفطرون فى الشركة، وبعضهم يطبق الورديات لمضاعفة الإنتاجية، فبدلا من العمل 200 ساعة شهريا كان يعمل 300 ساعة ويعمل أيضا فى الإجازات، وبالتالى كان يحصل هؤلاء العمال على قيمة الحافز مرة ونصف المرة».
وأشار محمود سوريال إلى أن الشركة كانت تعتمد فى توفير الغذاء على شركات القطاع العام، فكانت قها تزودهم بالعصائر، وإيديال بالثلاجات، والملابس من المحلة فى إطار منظومة متكاملة.
وكان الأمر اللافت أنه أيام الحرب لم يتغيب عامل واحد عن العمل، وأيضا كانت المنتجات متوفرة لنا فى الأسواق لتلبية احتياجات البيوت.
وأشار محمود سوريال إلى أن الشركة كانت تورد منتجات تستخدم فى صناعة المدرعات لمصنعى 100 و200 الحربى، بخلاف تلبية احتياجات السوق من خلال منظومة كبيرة، باعتبار أن ورش شركة الحديد والصلب تعتبر الأكبر فى الشرق الأوسط.
وقال سوريال الذى التحق للعمل فى الشركة عام 1971: لقد أسهمنا فى الحرب من خلال إنتاج «الصاج» للمدرعات، وقام قبل الحرب الفريق صادق بزيارتنا مرتين، وأشاد بقدرات الشركة.
- وزير التموين الأسبق يتحدث عن تأمين الجبهة الداخلية.. وفرنا القمح لـ6 أشهر والسلع الغذائية لـ13 شهر
كتب - مدحت وهبة
لعبت شركات القطاع العام وهيئة السلع التموينية دورا كبيرا فى تأمين حاجة البلاد من السلع الغذائية، وتوفير مخزون استراتيجى من الأقماح يكفى لأكثر من 6 أشهر وقت حرب أكتوبر.
ووفرت شركة «قها»، التابعة للشركة القابضة للصناعات الغذائية، الأغذية المحفوظة للقوات المسلحة أثناء فترة حرب الاستنزاف وحرب أكتوبر عام 1973، وقال اللواء محمد أبوشادى، وزير التموين والتجارة الداخلية الأسبق، فى تصريحات خاصة «اليوم السابع»، إن تأمين الجبهة الداخلية تضمن التأكد من توفير جميع السلع والخدمات، دون استغلال البعض ظروف البلاد خلال حرب أكتوبر بالتنسيق مع الجهات المعنية. وأوضح محمد أبوشادى أن الروح المعنوية العالية للقوات المسلحة التى استطاعت تحطيم خط بارليف فى 6 ساعات جعلت الجبهة الداخلية فى أمان، فى ظل قيام الحكومة وقتها بتوفير القمح المستخدم لإنتاج الخبز البلدى المدعم لأكثر من 6 أشهر، إضافة إلى توفير السلع الغذائية لمدة تتجاوز 3 أشهر. وأشار وزير التموين الأسبق إلى أن شركات القطاع العام كانت تقود النشاط الاقتصادى وقت حرب أكتوبر من خلال العمل على الاكتفاء الذاتى من زيت الطعام بأنواع مختلفة، وتوفير السلع الغذائية، قائلا: «لم تستطع طائرات العدو غزو أى مدينة مصرية، وذلك لأول مرة فى تاريخ الحروب»، حيث كان يشهد المواطنون احتفالات كبيرة فى الشوارع عقب عبور القناة.
- الحاج مهاب عبدالفتاح: "محدش اعترض على ظروف المعيشة".. "الرئيس السادات خلى اللحمة تنزل فى الجمعيات 3 أيام فى الأسبوع"
كتب - حسن رمضان
قال الحاج مهاب عبدالفتاح، وهو أحد المواطنين المعاصرين لمرحلة حرب أكتوبر، والذى كان شابا وقتها، ويعمل بشركة الحديد والصلب، إنه يشعر بالفخر والفرح لمعاصرته تلك الفترة من تاريخ مصر، وأكد أنه يتذكر كل تفاصيل تلك الفترة من حياته، لتأثيرها الشديد فيه، مشيرا إلى أن الشعب المصرى وقت الحرب كان يعيش فترة انتصار معنوى عالية، ولعب الشق النفسى للانتصار دورا كبيرا فى تنحية الخلافات بين الناس جانبا. وأضاف: وقت الحرب لم نسمع بوجود مطالب فئوية، أو مواطن يعارض قرارا للحكومة، أو مواطن يعترض على ظروف المعيشة، مشيرا إلى أن الرئيس السادات «خلى اللحمة تنزل فى الجمعيات 3 أيام فى الأسبوع، ومحدش كان حاسس إن فى حاجة ناقصة»، مؤكدا أنه لم يكن هناك نقص فى المواد التموينية، التى كانت توفرها الحكومة بشكل شهرى، كالزيت والسكر والأرز والعدس، والجاز الذى كان يوزع على بطاقات التموين وقتها، وأن الدولة اعتمدت فى هذا الوقت على الصناعات الوطنية، لتوفير احتياجات المواطنين فى كل شىء، مثل شركات قها، والمحلة للغزل والنسيج، والنصر للسيارات. وبسؤاله عن الأسعار الدارجة فى المعاملات اليومية فى تلك الفترة، علق الحاج مهاب قائلاً: «الأسعار كانت مناسبة ومسمعناش إن تاجر استغل الموقف وزود سعر حاجة، أو حد احتكر سلعة معينة، يعنى مثلا السجاير الكليوباترا كانت بـ20 قرش، والسوبر بـ26 قرش، والسجاير الأجنبى 46.5 قرش ومعاها علبة كبريت هدية، والحاجة الساقعة بـ1.5 قرش، وتذكرة الأتوبيس كانت بتعريفة، وكانت سيارة نصر موديل 1973 بـ1600 جنيه وكنت بفصل البنطلون بـ80 قرش».
- عبدالخالق أبوالجود: راتبى كان 14 جنيهاً.. وتزوجت بمهر 250 جنيهاً..لم نشعر بارتفاع الأسعار والناس كانت ترضى بالقليل
كتبت - هند عادل
أكد عبدالخالق أبوالجود، مدير إدارة على المعاش بشركة غزل المحلة، أحد جنود القوات المسلحة المشاركين فى حرب 6 أكتوبر المجيدة، الذى قضى 8 سنوات كاملة من حياته جنديا بسلاح المدرعات منذ عام 1968 وحتى 1975، أنه كان جنديا بالجيش الثالث الميدانى بمدينة السويس ضمن سلاح المدرعات،.
وأضاف أبوالجود أنه يوم العبور فى 6 أكتوبر حين رأى الجنود طائرات السلاح الجوى من فوقهم حمل الجنود القوارب ونزلوا إلى مياه القناة دون أن ينتظروا أى إذن من قياداتهم، واصفا ذلك مثل الصائم الذى ينتظر انطلاق مدفع الإفطار حتى يبل عروقه بالمياه.
وأشار أبوالجود لـ«اليوم السابع» إلى أنه كان يعمل ضمن موظفى شركة مصر للغزل والنسيج بمدينة المحلة الكبرى، ثم التحق بالقوات المسلحة عام 1968 بعد النكسة بعام واحد، وفى ذلك الوقت من كان يلتحق بالجيش لا يتركه لحين إزالة آثار العدوان، مشيرا إلى أنه كان يحصل على راتب قدره 14 جنيها من شركة مصر للغزل والنسيج، وهو مبلغ كان له شأن عظيم فى ذلك الوقت، وظل الراتب ساريا فترة مشاركته فى الحرب حتى عام 1975، فكان هو مصدر الدخل لأسرته الصغيرة التى كونها عام 1970 حين قرر والده ضرورة زواجه نظرا لكونه الأخ الأكبر.
ويسترجع عبدالخالق أبوالجود ذاكرته عن تلك الفترة، ويقول: حصلت على إجازة أسبوع فقط من الجيش حتى أتزوج، ودفعت وقتها مهرا لوالد زوجتى قدره 250 جنيها وشبكة 50 جرام ذهب، واشترى لنا والد زوجتى الإثاثا على أحسن طراز، وهو «صالون لويس، وغرفة نوم أمريكانى، وغرفة سفرة 2.5 متر»، وتزوجت أنا وزوجتى، وكانت تدبر حالها براتبى البالغ 14 جنيها، وكان وقتها مبلغا ذا قيمة، ويقول: «كنا عايشين كويس رغم الحرب.
وعن وقت الحرب، أكد أبوالجود أن الجنود كانت معنوياتهم مرتفعة للغاية، والجميع كان ينتظر تلك اللحظة، ويقول عبدالخالق إن كتيبته تعرضت للحصار الكامل من العدو الصهيونى لمدة 120 يوما، كان الجنود يتقاسمون فيهم طعامهم وشرابهم دون أن يخاف أو يمل أحد حتى حققوا النصر على العدو.
وأكد عبدالخالق أبوالجود لـ«اليوم السابع» أنه بالرغم من حالة الحرب إلا أنه لم يشعر أحد بارتفاع الأسعار، وجشع واستغلال التجار مثلما يحدث الآن، قائلاً: «الناس كانت بترضى بقليلها وبيتعاطفوا مع بعض»، وبالرغم من معاناة الحرب واقتصاد البلد المنهك رأينا الموت آلاف المرات إلا أننا كنا راضين والأسرة كانت لها قيمة لكن الآن التطلعات كبيرة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة