تكلمنا في المقالة السابقة عن مشاعر الندم التي تقود الإنسان إلى التوبة، وتغيير مسار حياته نحو حياة صالحة. وقدمنا قصة "بطرس" الذي تحول من إنسان لا يعرف قلبه الرحمة أو الشفقة على المحتاجين والضعفاء إلى شخص رقيق الطباع يمتلئ قلبه بمحبة الجميع، ويُسرع إلى إراحة كل إنسان وخدمته.
ويوجد نوع آخر من الندم لا يحُث الإنسان على تغيير ذاته وإصلاح ما بها من ضعفات، بل يقوده إلى اليأس والإحباط وفقدان الأمل والرجاء في الحياة، إذ يرهق عقله ونفسه جدًّا في مشاعر سلبية لن تتغير، وهو ما يؤدي إلى الزلل والتعثر، أو ربما التوقف عن المسير في رحلة حياته؛ من أمثلة هٰذا النوع من الندم: ندم الإنسان على الماضي أيْ على مواقف أو قرارات قام باتخاذها في حياته الماضية وكانت خاطئة، أو على النقيض عدم اتخاذ قرارات كان يجب عليه اتخاذها فاعتراه الندم. فالندم لا يكون من أجل فعل غير سليم قام به الإنسان فقط، ولٰكنه أيضًا على عدم القيام بأمر ما رائع مثل أن يَهدِر فرصة في العمل أو السفر أو غيرهما. أيضًا يوجد من يندم من أجل ثقته الزائدة بأشخاص لم يقدّروا هٰذه الثقة، أو قد يشعر بالندم عند تقديم أعمال خيّرة لأُناس ثم يكتشف خداعهم أو عدم استحقاقهم؛ فيقول معبرًا عن ذٰلك: "الندم لا يقتصر على التصرفات الخاطئة: فكثيرًا ما نشعر بالندم على تصرفات صحيحة فعلناها لمن لا يستحقها!". وكثير من أسباب الندم تختلف من حياة شخص إلى آخر، ولٰكن عليك أن تُدرِك:
· أن الندم يولّد كثيرًا من المشاعر السلبية والإحباطات، فسارع بأن تستفيد منه فقط: بقدر ما يهب لك قوةً لتغيير ما فعلته من خطإ، أو قوة دفع نحو حياة جديدة بفكر وإرادة إيجابيَّين. فلا تَهدِر طاقتك وفكرك ووقتك في مشاعر الندم السلبيّ الذي لن يُفيد شيئًا. فالندم يأسرك في الماضي فتظل حبيس آلامه وأفكاره. فإن كنتَ قد أخطأتَ في الماضي، فلا تُخطئ مرة ثانية بالسقوط في هُوَّة الندم بلا حَراك. فكما قيل: "الندم هو الخطأ الثاني".
· أن من لا يُخطئ هو من لا يفعل شيئًا! ففي حياة كل إنسان أخطاء يتعلم منها ويكتسب الخبرات التي تُنمي جوانب شخصيته. وعلى الشخص أن يتحرك دائمًا إلى الأمام، فإن أخطأ في مواقف أو قرارات، فعليه أن يصوب ما يمكن تصويبه ويتعلم منها، فكما يقولون: "لا تندم أبدًا، فإن كان الماضي جيدًا فهٰذا رائع، وإن كان سيئًا فهٰذه خبرة.".
· أنك لا يمكنك العودة إلى الماضي: لذٰلك لا تعِش الحياة على التمني، بل اهتم بالواقع وكيفية الحياة فيه بأكبر قدر من الرضا والسعادة. إن الطريقة التي تساعدك على التوقف عن الندم هو أن تعمل وتتحرك نحو ما تريده ولا تستسلم لليأس.
· أن تفكر دائمًا بأسلوب إيجابيّ: فإن كانت أخطاء في مواقف وقرارات خاطئة، فإنه توجَد أيضًا ما يقابلها من مواقف وقرارات صحيحة قد قمتَ بها.
· أن لا تندم على خير فعلته أبدًا: فما تقوم به من أعمال صالحة وأمانة تجاه الآخرين محفوظ لك عند الله لا البشر؛ ثِق بالله ولا تتوقف عن فعل الخير للجميع ولو لحظة واحدة. قال أحدهم: "علمتني الحياة: أن أجعل قلبي مدينة: بُيوتها المحبة، وطريقها المسامحة والعفو؛ وأن أُعطي ولا أنتظر الرد على العطاء.".
الأسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُرثوذكسيّ